للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا التفصيل يزول الاشتباه، ويتبيّن الصواب من غيره، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المكلفة التي هي على إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرءوا بها ويسوغوها, ويعلم قطعًا أنهم كانوا يقرءون بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن، ويقرءونه بسجاياهم تارةً، وتطريبًا أخرى، وهذا أمر في الطباع، ولم ينه عنه الشارع, مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه -صلى الله عليه وسلم، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به، وقال: "ليس منَّا مَنْ لم يتغنَّ بالقرآن" وليس المراد الاستغناء به عن غيره كما ظنه بعضهم، ولو كان كذلك لم يكن لذكر حسن الصوت والجهر به معنى. والمعروف في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع، كما قال الشاعر:

تغن بالشعر أما كنت قائله ... إن الغناء لهذا الشعر مضمار


على سامعهم النكير، وعلى التالي التعزير, "وبهذا التفصيل يزول الاشتباه، ويتبين الصواب من غيره، وكل مَنْ علم بأحوال السلف يعلم قطعًا بأنهم برآء" جمع براء "من القراءة بألحان الموسيقي" بكسر القاف "المكلفة التي هي على إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرءوا بها، ويسوغوها" أي يجوّزوها "ويعلم قطعًا أنهم كانوا يقرءون بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن، ويقرءونه بسجاياهم" بسين وجيم- جمع سجية، أي: بطبائعهم "تارةً", وفي نسخة: بشجى، بمعجمة وجيم مقصور- أي: حزن، وتطريب أخرى" بأن يقصدوا تحسين قراءتهم مع مراعاة الأنغام المقتضية لذلك, "وهذا أمر في الطباع، ولم ينه عنه الشارع, مع شدة تقاضي" أي: طلب "الطباع له، بل أرشد إليه، وندب إليه -صلى الله عليه وسلم", وأخبر عن استماع الله تعالى لمن قرأ به" بقوله: "ما أذن الله لشيء" الحديث "وقال: "ليس منا" أي: على سنتنا وهدينا "من لم يتغنَّ بالقرآن"، وليس المراد الاستغناء به عن غيره، كما ظنَّه بعضهم" بل معناه: مَنْ لم يحسن صوته به "ولو كان كذلك لم يكن لذكر حسن الصوت، والجهر به" في حديث "ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنَّى بالقرآن"، أي: يجهر به, "معنًى, والمعروف في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء" بكسر المعجمة، والمد "الذي هو حسن الصوت بالترجيع، قال الشاعر:
تغن بالشعر أما كنت قائله ... إن الغناء لهذا الشعر مضمار
أي: كالميدان الذي تجري فيه الخيل، فيظهر فيها الحسن من غيره يغني، أنه إذا استعمل

<<  <  ج: ص:  >  >>