للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا جائز, وإن أعانته طبيعته على فضل تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى للنبي -صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تسمع لحبَّرته لك تحبيرًا. والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطيب في القراءة, ولكن النفوس تستجليه وتستملحه؛ لموافقة الطبع وعدم التكلف والتصنع، فهو مطبوع لا متطبع، وكلف لا متكلف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويسمعونه، وهو التغني المحمود، وهو الذي يتأثّر به التالي والسامع. والوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع، ليس في الطباع السماحة به، بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرّن، كما يتعلّم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركّبة على إيقاعات مخصوصة, وأوزان مخترعة لا تحصل إلّا بالتعلم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وأنكروا القراءة بها


بذلك التطريب والتلحين، فهذا جائز، وإن أعانته طبيعته على فضل" أي: زيادة "تحسين وتزيين" مبالغة، فيما قبله "كما قال أبو موسى للنبي -صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تسمع لحبَّرته لك تحبيرًا، والحزين ومن هاجه" حرَّكه "الطرب والحب" ميل القلب للمحبوب لمعنى يستحسنه فيه, "والشوق" نزاع النفس مصدر شاقه, "لا يملك من نفسه رفع التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوس تقبله وتستجلبه" بجيم، وموحدة, "وتستملحه" أي: تعده مليحًا "لموافقة الطبع، وعدم التكلف والتصنع، فهو مطبوع لا متطبع" بضم الميم، وكسر الباء المشددة- أي: متشبّه, "وكلف" بكسر اللام، أي: محب لذلك مولع به "لا متكلف" بكسر اللام مشددة- أي: طالب أن تكون تلك الصفة قائمة به, "فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويسمعونه، وهو التغني المحمود الذي يتأثر به التالي" القارئ والسامع" له.
"والوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع ليس في الطباع" الجبلة الت خلق عليها "السماحة به, بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن، كما يتعلّم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلّم والتكلف، فهذه" أي: القراءة على هذه الحالة "هي التي كرهها السلف، وأنكروا القراءة بها".
زاد في شرحه للبخاري عقب نحو هذا، وقد علم، مما ذكرنا أن ما أحدثه المكلفون بمعرفة الأوزان، والموسيقى في كلام الله من الألحان والتطريب، والتغني المستعمل في الغناء بالغزل على إيقاعات مخصوصة، وأوزان مخترعة أن ذلك من أشنع البدع وأسوئها، وأنه يوجب

<<  <  ج: ص:  >  >>