للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك قال: لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرًا. أي: حسنته وزينته بصوتي تزيينًا.

وهذا الحديث يرد على من قال: إن قوله: "زينوا القرآن بأصواتكم" من باب القلب, أي: زينوا أصواتكم بالقرآن، فإن القلب لا وجه له. قال ابن الأثير: ويؤيد ذلك تأييدًا لا شبهة فيه حديث ابن عباس: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لكل شيء حلية، وحلية القرآن حسن الصوت"، والله أعلم.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافًا كثيرًا يطول ذكره، وفصل النزاع في ذلك أن يقال: إن التطريب والتغني على وجهين.

أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلّف ولا تمرين وتعليم.

بل إذا خلا في ذلك وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين،


لقراءة أبي موسى الأشعري" عبد الله بن قيس, كان حسن الصوت جدًّا، وحسبك قوله -صلى الله عليه وسلم- له: "يا أبا موسى, لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود" , "فلما أخبره بذلك" بقوله: "لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة" كما في رواية لمسلم. قال: لو علمت أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرًا، أي: حسنته وزينته بصوتي تزيينًا، وهذا الحديث يرد على من قال: إن قوله: "زينوا القرآن بأصواتكم" من باب القلب, أي: زينوا أصواتكم بالقرآن, فإن القلب لا وجه له" بل له وجه؛ لأنه ورد كذلك أخرج الحاكم عن البراء مرفوعًا "زينوا أصواتكم بالقرآن، فإن الصوات الحسن يزيد القرآن حسنًا".
"قال ابن الأثير: ويؤيد ذلك" أي: حمله على أن الصوت يحسن القرآن, تأييد لا شبهة فيه حديث ابن عباس" إنما رواه البزار والبيهقي عن أنس، والطبراني عن أبي هريرة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لكل شيء حلية, وحلية القرآن حسن الصوت"؛ لأن الحلية حليتان: حلية تدرك بالعين, حلية تدرك بالسمع, ومرجع ذلك كله إلى جلاء القلب, وذلك على قدر نية القارئ" لكن هذا الحديث ضعَّفه ابن حبان، والذهبي، والحافظ النور الهيثمي من الوجهين، وبينوا وجه الضعف، فلا تأييد به "والله أعلم".
"وقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافًا كثيرًا يطول ذكره، وفصل" أي: قطع النزاع في ذلك أن يقال التطريب، والتغني على وجهين, أحدهما ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين" اعتياد ومداومة, "ولا تعليم" من معلم, بل إذا خلى في ذلك وطبعه" مفعول معه "واسترسلت طبيعته" أي: استمرت في العمل على حالها "جاءت

<<  <  ج: ص:  >  >>