للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي, فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". قال: "من قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل موقنًا بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة"، فتعيّن أن هذه الكيفية هي


عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك, وإخلاص الطاعة لك, "ما استطعت" من ذلك, وما مصدرية ظرفية، أي: مدة استطاعتي, وفيه إشارة إلى الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى، وقد يكون المراد كما قال ابن بطال: بالعهد, العهد الذي أخذه الله على عباده حين أخرجهم أمثال الذرو, {أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} ، فأقروا بالربوية وأذعنوا بالوحدانية، وبالوعد ما قال على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم: "إن مات لا يشرك بالله شيئًا وأدَّى ما افترض الله عليه دخل الجنة" , "أعوذ بك من شرِّ ما صنعت" أبوء -بضم الموحدة وسكون الواو بعدها همزة ممدودة- أعترف "بنعمتك علي وأبوء".
زاد في رواية الكشميهني: لك "بذنبي" أعترف به أو أحمله برغمي، لا أستطيع صرفه عني, "فاغفر" في رواية بلا فاء "لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
قال الطيبي: اعترف أولًا بأنه أنعم عليه ولم يقيده؛ ليشمل جميع أنواع الإنعام، ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها وعدَّه ذنبًا مبالغة في التقصير وهضم النفس.
قال الحافظ: ويحتمل أن قوله: "أبوء لك بذنبي" اعتراف بوقوع الذنب مطلقًا؛ ليصح الاستغفار منه, لا أنه عد ما قصّر فيه من أداء النعم ذنبًا, "قال" صلى الله عليه وسلم: "من قالها" أي: الكلمات "من النهار موقنًا" مخلصًا بها , "من قلبه" مصدقا بثوابها, "فمات من يومه" قبل أن يمسي, "فهو من أهل الجنة" الداخلين لها ابتداءً من غير دخول النار؛ لأن الغالب أن المؤمن بحقيقتها الموقن بمضمونها لا يعصي الله تعالى، أو أن الله تعالى يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار. قاله الكرماني.
"ومن قالها من الليل وهو موقن" مخلص بها, "فمات قبل أن يصبح, فهو من أهل الجنة" ويحتمل أن يكون هذا فيمن قالها ومات قبل أن يفعل ما تغفر له به ذنوبه، وقال ابن أبي جمرة: من شرط الاستغفار صحة النية والتوجّه والأدب، فلو أن أحدًا حصَّل الشروط واستغفر بغير هذا اللفظ, واستغفر آخر بهذا اللفظ الوارد, لكن أخلَّ بالشروط هل يتساويان؟ فالجواب: إن الذي يظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة، قال: وقد جمع هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمَّى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله وحده بالألوهية والعبودية, والاعتراف بأنه الخالق, والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه, والرجاء بما وعده به, والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه, وإضافة النعماء

<<  <  ج: ص:  >  >>