للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنظر إليك، وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلتها لا أراك، فانزل الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩] فدعا به فقرأها عليه.

قال: وفي حديث آخر: كان رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه لا يطوف، فقال: "ما بالك"؟ قال: بأبي أنت وأمي، أتمتع من النظر إليك، فإذا كان يوم القيامة رفعك الله بتفضيله، فأنزل الله الآية.


إليك" فيطمئن قلبي، وتقر عيني برؤيتك "وإني ذكرت موتي وموتك" أي: مكاني ومكانك بعد الموت، "فعرفت": تحققت "إنك إذا دخلت الجنة" بعد الموت "رفعت" إلى الدرجات العلا "مع النبيين" صلوات الله عليهم أجمعين، "وإن دخلتها" أنا "بضم التاء" "لا أراك" بعد الدخول؛ لأنك في مقام لا يصل إليه غيرك، وعبر في جانبه صلى الله عليه وسلم بإذا لتحقق دخوله الجنة، ورفعته فيها وفي جانبه هو؛ بأن لعدم جزمه في نفسه بذلك، "فأنزل الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} " بامتثال أمره ونهيه، ويلزمه محبته له أيضا، ولم تذكر لتحققها لذكر الرجل لها والعلم بخلوصه فيها، " {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} " بنعيم الجنة وعالي مراتبها، ففيه تبشير له بمرافقة أكرم خلق الله وأقربهم، وأرفعهم منزلة " {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} " بيان للمنعم عليهم بما أخفي لهم من قرة أعين " {وَحَسُنَ أُولَئِكَ} " تعجب أي: ما أحسنهم " {رَفِيقًا} " [النساء: ٦٩] ، تمييز، ولم يجمع لوقوعه على الواحد وغيره، أو لإرادة كل واحد منهم "فدعا به" طلب حضوره "فقرأها عليه" جوابًا له وتبشيرًا، والمراد بالمعية والمرافقة كونه في الجنة يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم متى شاء، لا التسوية في المنزلة.
"قال": عياض: "وفي حديث آخر كان رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم" أي: ملازمًا لمجلسه "ينظر إليه" أي: يديم النظر إلى وجهه الوجيه "لا يطرف" "بفتح الياء وسكون الطاء وكسر الراء المهملتين وفاء" أي: لا يصرف طرفه عن النظر إليه، أو لا يطبق أحد جفنيه على الآخر، ويغض بصره، وظاهر قول بعضهم، أي: لا يغض بصره مطرقًا راميًا ببصره إلى الأرض، أنه من أطرق "بضم أوله وقاف"، وهو صحيح أيضًا.
قال بعضهم: لكني لا أعرف هل هو رواية أو تحرف عليه أو تسامح في تفسيره: "فقال" له صلى الله عليه وسلم: "ما بالك؟ " أي: ما شأنك حتى تحد النظر وتديمه كالمبهوت، "قال": أفديك "بأبي أنت وأمي، أتمتع من النظر"، لفظ الشفاء: بالنظر "إليك" أي: أتلذذ بإدامة نظري في وجهك ما دام ممكنًا في الدنيا لأنتفع به وأتزوده منه، "فإذا كان" وجد "يوم القيامة رفعك الله" إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>