للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون وجه، وقد يحب لغيره وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى حده، ولا تصلح الألوهية إلا له. والتأله هو المحبة والطاعة والخضوع.

ومن علامات الحب المذكور لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرض الإنسان على نفسه أنه لو خير بين فقد غرض من أغراضه وفقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كانت ممكنة، فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد غرض من أغراضه فقد أصتف بالأحبية المذكورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لا فلا.


تعالى وحده".
قال ابن عطاء: الله ما من وقت ولحظة إلا وهو مورد عليك فيهما نعمًا، يجب حبه وشكره عليه دائمًا فمتى فات حق وقت لا يمكن قضاؤه أبدًا؛ إذ ما من وقت إلا وله عليك فيه حق جديد، وهو الشكر، وأمر أكيد وهو الاستغفار والتجريد {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} الآية، "ولا تصلح الألوهية"، أي: العبادة "إلا له والتأله"، أي: التعبد "هو المحبة والطاعة والخضوع"، والغرض من هذه الجملة بعدما تقدم التنبيه على استحقاقه الكمال المطلق، فلا يشاركه أحد في شيء من صفاته إلا في مجرد الاسم إن اتفاق ذلك، ولما كان هذا نتيجة الأسباب المحصلة لمحبة الله تعالى، كما قال بعد أن هذا ثمرة المعرفة، عطفة بالواو في قوله: ولا تصلح، ولم يقل إذا المقتضية للعلة لما قبله، غائية أو غير غائية؛ لأن ذلك يقتضي سبق معرفة العلة الغائية، أو غيرها على الأسباب المحصلة، "ومن علامات الحب المذكور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يعرض" "بفتح الياء وكسر الراء"، أي: يظهر ويبرز "الإنسان على نفسه أن لو خير بين فقد غرض من أغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، أن لو كانت ممكنة"، أي: سهلة في نفسها، بحيث يتمكن منها إذا أرادها، فليس المراد بالإمكان ما قابل الاستحالة "فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد غرض من أغراضه، فقد اتصف بالأحبية المذكورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لا" يكن ذلك أشد، "فلا" يتصف بالأحبية المذكورة.
وهذا ذكره الحافظ، وزاد: وليس ذلك محصورًا في الوجود والفقد، بل يأتي مثله في نصرة سنته والذب في شريعته، وقمع مخالفيها، ويدخل فيها باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر، فإن الأحبية المذكورة تعرف به، وذلك أن محبوب الإنسان، إما نفسه وإما غيرها، أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب، وأما غيره فإذا حقق الأمر فيه، فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالًا ومآلًا، فإذا تأمل النفع الحاصل من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم إما بالمباشرة

<<  <  ج: ص:  >  >>