للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجواب عمر كان أولًا بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والآخرة، فأخبره بما اقتضاه الاختيار، فلذلك حصل الجواب بقوله: "الآن يا عمر" أي الآن عرفت فنطقت بما يجب.

وإذا كان هذا شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله في محبتنا له ووجوب تقديمها على أنفسنا وأولادنا ووالدينا والناس أجمعين، فما الظن بمحبة الله تعالى ووجوب تقديمها على محبة ما سواه، ومحبة الله تعالى تختص عن محبة غيره قدرها وصفتها، وإفراده سبحانه وتعالى بها، فإن الواجب له من ذلك أن يكون أحب إلى العبد من ولده ووالده، بل من سمعه وبصره ونفسه التي بين جنبيه، فيكون إلهه الحق، ومعبوده أحب إليه من ذلك كله، والشيء قد يحب من وجه


لا طريق إلى تحويلها عما تهواه، "وتغييرها عما جبلت عليه" لأنه لا يدخل تحت الاستطاعة فليس مكلفًا به، ولا مؤاخذًا بعدمه، "وعلى هذا، فجواب عمر كان أولًا بحسب الطبع" الذي جبل عليه الإنسان من ترجيح نفسه وتقديمها، "ثم تأمل، فعرف بالاستدلال؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه، لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والآخرة، فأخبره بما اقتضاه الاختيار"، الناشئ من التفكر "فلذلك حصل الجواب، بقوله" صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر"، أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب"، وحال عمر أنه لا يفعل غير ما وجب عليه؛ لأنه منهي عنه؛ إذ الأمر بالشئ الموجب له نهى عن ضده، "وإذا كان هذا شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله في محبتنا له ووجوب تقديمها على أنفسنا وأولادنا ووالدينا والناس أجمعين، فما الظن" استفهام تعظيم، أي: ظن تظنه، أي: لا تظن إلا أعظم ظن، "بمحبة الله تعالى وجوب تقديمها على محبة ما سواه".
وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي"، أخرجه الترمذي والحاكم، وصححاه عن ابن عباس:
"ومحبة الله تعالى تختص عن محبة غيره في قدرها وصفتها"، وفي "إفراده سبحانه وتعالى بها، فإن الواجب له من ذلك أن يكون أحب إلى العبد من ولده ووالده، بل من سمعه وبصره ونفسه التي بين جنبيه، فيكون إلهه الحق، ومعبوده أحب إليه من ذلك كله"، ولا انفكاك لأحد عن الاحتياج إليه، "والشيء قد يحب من وجه دون وجه"، كحب العالم لعلمه، وكراهته لبخله مثلًا، "وقد يحب لغيره وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله

<<  <  ج: ص:  >  >>