للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن المحبوب مع كمال محبته كالمستحيل، ولكن عند استيلاء سلطان المحبة يقع مثل هذا، وذلك من علامات المحبة المقارنة للهيبة والتعظيم.

ومنها: ميلك إلى الشيء بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك، ثم موافقتك له سرًّا وجهرًا ثم علمك بتقصيرك في حبه، قال الجنيد: سمعت الحارث المحاسبي يقول ذلك.

ومنها: سكر لا يصحو صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه، ثم السكر الذي يحصل عند المشاهدة لا يوصف، وأنشد بعضهم:

فأسكر القوم دورًا لكأس بينهم ... لكن سكري نشأ من رؤية الساقي

ومنها: سفر القلب في طلب المحبوب، ولهج لسانه يذكره على الدوام، أما سفر القلب في طلبه فهو الشوق إلى لقائه، وأما لهج اللسان بذكره فلا ريب أن


الثاني، فإن غض طرف القلب عن المحبوب مع كمال محبته كالمستحيل"، إذ أصل معنى المحبة ميل القلب، فكيف يصرفه عنه "ولكن عند استيلاء سلطان المحبة يقع مثل هذا" بدون اختيار، كأنه لا يدري ما هو عليه، "وذلك من علامات المحبة المقارنة للهيبة والتعظيم" للمحبوب "ومنها ميلك إلى الشيء" الذي تحبه "بكليتك" بجملتك "ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك، ثم موافقتك له سرًّا وجهرًا، ثم علمك بتقصيرك في حبه" وهذا بمعنى ما سبق عن القرشي، لكن غرض المصنف بيان العبارات، وإن رجع بعضها إلى بعض.
قال الجنيد: أبو القاسم بن محمد البغدادي شيخ الطريقة، العلم الشهير: "سمعت الحرث" بن أسد البصري، "المحاسبي" قيل: له ذلك لكثرة محاسبته لنفسه، أو لأنه كان له حصى يعدها ويحسبها حال الذكر، أو لغير ذلك صحب الشافعي، وقيل: بل عاصره وكان عابدًا، زاهدًا، راسخًا في الأصول والفقه والحديث والتصوف والكلام، صنف نحو مائتي مؤلف، ومات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين، "يقول ذلك" المذكور في معنى المحبة "ومنها" المحبة "سكر لا يصحو صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه" لأنه عند الطائفة عبارة عن غيبة بوارد قوي، والغيبة عدم الإحساس، وذلك إذا كوشف بنعت الجمال, وطرب وهام قلبه، "ثم السكر الذي يحصل عند المشاهدة" للمحبوب "لا يوصف" بل يحل عن الوصف "وأنشد بعضهم"
"فأسكر القوم دورًا لكأس بينهم ... لكن سكري نشأ من رؤية الساقي"
فالصادق المحبة لا يتوقف سكره على كأس ولا غيرها بل بمجرد رؤية الحب يسكر سكرًا يجل عن الوصف، "ومنها سفر القلب" أي: توجهه "في طلب المحبوب، ولهج لسانه يذكره على الدوام" بحيث لا يفتر عنه، "أما سفر القلب في طلبه، فهو الشوق إلى لقائه"،

<<  <  ج: ص:  >  >>