للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إرادتك وعزماتك وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبه، وتجعلها حبسًا في مرضاته ومحابه، ولا تأخذ منها لنفسك إلا ما أعطاكه، فتأخذ منه له.

ومنها: أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب، وكمال المحبة يقتضي ذلك، فإنه ما دامت في القلب بقية لغيره ومسكن لغيره فالمحبة مدخولة.

ومنها: أن تغار على المحبوب أن يحبه مثلك، وهو للشبلي، ومراده: احتقارك لنفسك واستصغارها أن يكون مثلك يحبه.

ومنها: غض طرف المحب عما سوى المحبوب غيره، وعن المحبوب هيبة، وهذا يحتاج إلى إيضاح، أما الأول فظاهر، وأما الثاني: فإن غض طرف القلب


وأحكامها" لا تعريف لها، "والمراد: أن تهب إرادتك وعزماتك" بفتح الزاي جمع عزمة، وهي الاجتهاد في الشيء والمحافظة عليه، "وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبه"، والوقت عندهم عبارة عن حال في زمان الحال، لا تعلق فيه بالماضي ولا الاستقبال، فيقال: فلان وقته كذا، أي: حاله كذا، ولذا قالوا: الوقت ما أنت فيه، إن كنت بالدنيا فوقتك بالدنيا، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى، وإن كنت بالسرور فوقتك السرور، وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن، فعنوا بذلك أن وقت الإنسان هو حاله الغالبة عليه، و"تجعلها"، أي: المذكورات "حبسًا"، بضمتين وتسكن الباء لغة، وقفًا "في مرضاته"، أي: مقصورة على رضاه لا تتعداه إلى غيره، "ومحابه" ما يحبه هو، "ولا تأخذ منها لنفسك إلا ما أعطاكه فتأخذه منه له" لأنه لم يبق لك منك شيء فأخذك ما أعطاك إنما هو له "ومنها أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب" حتى نفسك، وذلك عندما ينسى أوصاف نفسه في ذكر محاسن حبه، كما قيل:
شاهدته وذهلت عني وغيره ... مني عليه فذا المثنى مفرد
"وكمال المحبة يقتضي ذلك، فإنه ما دامت في القلب بقية لغيره ومسكن لغيره، فالمحبة مدخولة"، أي: مشوبة بغيرها، ومتى كانت كذلك لم تكن حقيقية.
"ومنها أن تغار على المحبوب أن يحبه مثلك، وهو للشبلي" أبي بكر دلف بن جحدر، وقيل: اسمه جعفر بن يونس، وقيل: غير ذلك صحب الجنيد والنساج وطبقتهما، وصار أوحد وقته علمًا وحالًا، وتفقه على مذهب مالك، وكتب حديثًا كثيرًا، ثم شغلته العبادة عن الراية، مات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة عن سبع وثمانين سنة، ودفن بمقبرة الخيزران ببغداد، "ومراده احتقارك لنفسك، واستصغارها أن يكون مثلك يحبه" لجلالته، فيغار عليه من أن ينسب له الشيء الحقير "ومنها: غض طرف المحب عما سوى المحبوب غيره"، مفعول له، "وعن المحبوب هيبة"، أي: لأجل الغيرة والهيبة "وهذا يحتاج إلى إيضاح، أما الأول فظاهر، وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>