للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضمة، وخفة المحبوب وذكره على قلوبهم وألسنتهم.

فتأمل هذا اللطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعاني، تطلعك على قدر هذه اللغة، وأن لها شأنًا ليس لسائر اللغات.

وهذه بعض رسوم وحدود قيلت في المحبة بحسب آثارها وشواهدها، والكلام على ما يحتاج إلى الكلام عليه منها.

فمنها: موافقة الحبيب في المشهد والمغيب، وهذا موجبها ومقتضاها.

ومنها: محوب المحب لصفاته وإثبات المحب لذاته، وهذا من الفناة في المحبة، وهي أن تمحى صفات المحب وتفنى في صفات محبوبه وذاته، وهذا يستدعي بيانًا أتم من هذا لا يدركه إلا من أفناه وارد المحبة عنه وأخذه منه.

ومنها: استقلال الكثير من نفسك، واستكثار القليل من محبوبك، وهو لأبي


وأعطوا الحب وهو المحبوب حركة الكسر لخفتها من الضمة، وخفة المحبوب و" خفة "ذكره على قلوبهم وألسنتهم فتأمل هذا اللطف والمطابقة، والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعاني تطلعك على قدر" أي: شرف "هذه اللغة" العربية وتميزها على غيرها "وأن لها شأنًا ليس لسائر اللغات، وهذه بعض رسول وحدود قيلت في المحبة بحسب آثارها"، علاماتها التي بها يهتدي إليها "وشواهدها" أي: ما يشهد بها ويدل عليها، حتى كأنها شهدت به وأثبتته، "والكلام على ما يحتاج إلى الكلام عليه منها، فمنها موافقة الحبيب في المشهد والمغيب"، أي: في حالتي شهوده، أي: حضوره ومغيبة، "وهذا موجبها" "بفتح الجيم" "ومقتضاها" مساوٍ له في المعنى: أي: أنهما أثر المحبة، ومسبب عنها، "ومنها محو المحب لصفاته" بحيث لا يبقى له صفة، "وإثبات المحب لذاته" بدون صفة، فالمحو في أصل اطصلاحهم رفع أوصاف العادة.
قال ابن عطاء: يمحو أوصافهم، ويثبت أسرارهم، ويقابل المحو الإثبات، وهو إقامة أحكام العادة، "وهذا من الفناء في المحبة، وهو أن تمحى صفات المحب وتفنى": تزول وتضمحل "في صفات محبوبه وذاته، وهذا يستدعي بيانًا أتم من هذا، لا يدركه إلا من أفناه وارد المحبة عنه" أي: الفناء "وأخذه" أي: أخذ الوارد الفناء "منه"، ويسمونه فناء الفناء، وهو الفناء عن شهود هذا الفناء، بحيث يفنى عن كل ما سوى محبوبه، وحينئذٍ يدرك ذلك بالوجدان لا بالعبارة "ومنها استقلال الكثير من نفسك واستكثار القليل من محبوبك" كما قيل:
قليل منك يكفيني ولكن ... قليلك لا يقال له قليل

<<  <  ج: ص:  >  >>