للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه السنة، وتنوعت بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب الإدراك والمقام الحال.

وقد وضعوا لمعناها حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة: "الحاء" التي هي من أقصى الحلق، و"الباء" الشفهية التي هي نهايته، فللحاء الابتداء، وللباء الانتهاء وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب، فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه.

وأعطوا "الحب" حركة الضم التي هي أشد الحركات وأقواها مطابقة لشدة حركة مسماة وقوتها، وأعطوا "الحب" وهو المحبوب حركة الكسر لخفتها من


المعرفة، كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق، "ورسومهم": جمع رسم، وهو التعريف بخاصة من خواصه، كتعريفه بالضاحك، والمراد بهما هنا شيء واحد، وهو التعريف بالأثر "دارت على هذه السنة" "بنون"،أي: الطريقة، وبفوقية، أي: الستة المذكورة، فهي ألفاظ متقاربة، "وتنوعة بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب الإدراك" أي: وصول كل إلى المعنى الذي تصوره من لفظ المحبة، "والمقام" المكان المورد فيه الكحلام الذي يريد التعبير به، "والحال" زممن إيارد ذلك الكلام، فالفرق بينهما اعتباري، وحقيقته صفة الشيء تذكر وتؤنث، فيقال: حال حسنة وحسن، "وقد وضعوا لمعناها" أي: لمعنى المحبة، وهو الحب، وجعل الحب معنى لها لاشتماله على زيادة، وإلا فالحب والمحبة لغة معناهما واحد، وهو الوداد "حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة" أحدهما: "الحاء التي هي من أقصى الحلق، و" الثاني "الباء الشفهية التي هي نهايته" أي: نهاية الصوت وفي نسخة نهاية بلا ضمير، أي: للمخارج "فللحاء الابتداء" لأنها مبدأ الصوت المشتمل على الحروف، وإن كان مخرجها أقصى الحلق، "وللباء الانتهاء" والحاصل، كما قال شيخنا: أنهم جعلوا آخر الحلق مما يلي الصدر أقصى باعتبار وضع الإنسان، لأن كل شيء لها نهايتان، فأيتهما فرضتها أوله كان مقابله آخره، هذا فيما وضع على الامتداد، كالبساط وأما ما وضع على الانتصاب، فأعلاه أوله واسفله آخر، ولذا كان أول المخارج الشفتين، وأولهما مما يلي البشرة التي هي ظاهر الجلد، وآخرها الحلق، وأوله مما يلي اللسان، وآخره بما يلي الصدر، والصوت لما كان مبدؤه من الئة يخرج منها، ثم يمر على الحلق، جعل أول المخارج بهذا الاعتبار، وأقصى الحلق وآخرها الشفتين.
"وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب، فإن ابتداءها منمه" بأن يرى المحب من المحبوب ما يدعو غلىميله إليه، فيتعلق به، بحيث لا يصير عنده سواه، "وانتهاءها إليه"، إذ هو غاية المطلوب، "وأعطوا الحب" الذي هو المصدر "حركة الضم التي هي أشد الحركات وأقواها" "عطف مساو" "مطابقة" "مفعول لأجله"، أي: لمطابقته "لشدة حركة مسماه وقوتها،

<<  <  ج: ص:  >  >>