للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الملك ورسوله حقيقة إما بعلم ضروري يخلقه الله له أو ببرهان يظهر لديه كما قدمته في المقصد الأول عند البعثة، لتتم كلمة ربك صدقًا وعدلًا لا مبدل لكلماته.

وأما قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] الآية.

فأحسن ما قيل فيها ما عليه جمهور المفسرين: أن التمني المراد به هنا: التلاوة وإلقاء الشيطان فيها إشغاله بخواطر وأذكار من أمور الدنيا للتالي حتى


وحي، دليل على أنه معجزة له، أو هو يعتمد على ما ظهر له من المعجزة، كتسليم الحجر والشجر "بلا لا يشك النبي" أي: نبي كان نبينا وسائر الأنبياء "إن ما يأتيه من الله هو الملك ورسوله" إليه "حقيقة" بلا شك "إما بعلم ضروري يخلقه الله له" بديهي لا يحتاج لدليل لعدم تردده فيه "أو ببرهان" دليل قطعي "يظهر لديه" مما يشاهده من الآيات، كنطق الحجر وتسليم الشجر "كما قدمته في المقصد الأول عند" ذكر "البعثة" وكل ذلك "لتتم كلمة ربك" بتبليغ أحكامه ومواعيده "صدقًا" في خبره له ومواعيده "وعدلًا": ما حكم به من الأحكام التي بلغها، وهما تمييزان محولان عن الفاعل، أو حالان: "لا مبدل لكلماته" أي: لا يمكن تغييرها، ولا تنسخ بعدما بلغت غاية لا تبل الزيادة عليها.
ولذا كانت شريعته صلى الله عليه وسلم آخر الشرائع، وهذا تعليل لحفظه من تصور الشيطان بصورة ملك، فيكون ما يلقيه تخليطًا قابلًا، ولذا عقبه بقوله: وأما قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} عطف عام على خاص، فيفيد أن المراد بالإرسال الإيحاء، وفائدة ذكره النبي غير الرسول، لا سيما من لا أتباع له أن كل نبي يجب عليه إعلام غيره بأنه نبي، لئلا يحتقر وحينئذٍ فيتطرق لسماع تلاوته ووعظه فيلقي الشيطان ذلك للتلبيس {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] فظاهره أن الشيطان يخلط عليهم الوحي عند التلاوة، فيخالف ما قبله.
وأجيب عن ذلك بأجوبة "فأحسن ما قيل فيها ما عليه جمهور المفسرين" أي: اكثرهم "أن التمني المراد به هنا التلاوة" كقول حسان:
تمنى كتاب الله أول ليلة ... تمنى داود الزبور على رسل
ومنه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: ٧٨] ، أي: تلاوة وليس تمنى هنا تفعل من منى قدر، كقوله:
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم ... حتى تلاقي ما يمني لك الماني

<<  <  ج: ص:  >  >>