للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض.

قال ابن عباس: ما خلق الله، وما ذرأ وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ


قال ابن القيم: أكثر المفسرين عن السلف والخلف، بل لا يعرف في السلف، فيه نزاع أنهذا قسم من الله بحياة رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب بحياته، وهذه مزية لا تعرف لغيره، ولم يوفق الزمخشري لذلك، فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط؛ وأنه من قول الملائكة له، فقال: هو على إرادة القول، أي: قالت الملائكة للوط: لعمرك إنهم لفي سكرتهم، وليس في اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين، بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على ما فهمه الطيب، لا أهل التعطيل والاعتزال. انتهى.
فما أوهمه المصنف من تساوي القولين مخالف لكلام أصله، إلا أن يقال لما رأى قوله: وليس في اللفظ ... إلخ.
اقتصر على مجرد حكايتهما بلا ترجيح، لكن قد علم إضراب أصله، بقوله: بل ظاهر اللفظ، إلخ، وعليه، فقيل: ضمير أنهم لقريش، والجملة اعتراض، كما في البيضاوي.
وقال التجاني: أنه بعيد لانقطاع الآية به عما بعدها وما قبلها، "وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه"، أي: منزلة وقدر "عريض"، مجاز بمعنى عظيم، كدعاء عريض.
قال البيضاوي: أي: كبير مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره، وهو أبلغ من الطول؛ لأنه أطول الامتدادين، فإذا كان عرضه، كذلك فما ظنك بطوله.
"قال: ابن عباس: ما خلق" أوجد "الله، وما ذرأ، وما برأ" "بالهمز" فيهما، وذكرهما للتأكيد؛ لأنها بمعنى، وقد يفرق بينهما بالاعبار، بأن يكون ذرأ من الذرية، وبرأ بمعنى صور، أي: لم يوجد "نفسًا أكريم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم" أشرف منه ذاتًا ونسبًا وصورة، ومثل هذه العبارة تفيد عدم المساواة عرفًا، "وما سمعت الله أقسم" أي: ماعلمت من إطلاق السبب على مسببه.
وقيل: إنه هنا من النواسخ الداخلة على المبتدأ والخبر على أن المفعول الأول مصدر الخبر المضاف إلى المبتدأ، وإليه ذهب الرضي وغيره في فعل السماع الداخل على الذوات، كسمعت زيدًا يقول كذا، بشرط كون الخبر مما يسمع، والتقدير ما سمعت أقسام الله "بحياة أحد" والجملة مبينة للمقدر، لكن فيه؛ أنهم شرطوا كون السماع بلا واسطة "غيره" بالجر صفة أحدًا وبدل منه، وبالنصب على الاستثناء، قيل: وهو أحسن للصراحة في أنه أقسم بالنبي، ولم يقسم بغيره، بخلاف الخفض، فإنما يفيد أنه لم يقسم بغيره، وليس فيه أنه أقسم به ولا وجه له،

<<  <  ج: ص:  >  >>