للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٥-٧٧] .


الشعر لا ينكره إلا معاند، بخلاف مباينة الكهانة، فتتوقف على تذكر أحواله صلى الله عليه وسلم ومعاني القرآن النافية لطريقة الكهنة، ومعاني أقوالهم وأنت خبير بأن ذلك أيضًا مما يتوقف على قائل قطعًا.
كذا في بعض التفاسير والله أعلم، "ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ} قيل: لا زائدة، والمعنى: فأقسم، وزيادتها في بعض المواضع معروفة، نحو: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَاب} ، فهي مؤكدة تعطي في القسم مبالغة ما، وهي كاستفتاح كلام، مشبهة في القسم إلا في سائر الكلام، القسم وغيره، ومنه قوله فلا، وأبى أعدائه لا إخوانها، المعنى، وأبى أعدائها، وله نظائر، وقرأ الحسن: فلا أقسم، بلا ألف، أي: فلا أنا أقسم، وقال سعيد بن جبير وبعض النحاة، نافية كأنه، قال: لا صحة لما يقوله الكفرة، ثم ابتدأ أقسم {بِمَوَاقِعِ} بالجمع قراءة الجمهور، وقرأ عمرو بن مسعود، وابن عباس، وأهل الكوفة وحمزة والكسائي، بموقع، بالإفراد مرادًا به الجمع، ونظيره كثير، ومنه أن أنكر الأصوات لصوت الحمير، جمع من حيث إن لكل حمار صوتًا مختصًا، وأفرد من حيث إن الأصوات كلها نوع " {النُّجُومِ} ".
قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم: هي نجوم القرآن التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك؛ لأنه نزل في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، وقيل: إلى البيت المعمول جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك على المصطفى نجومًا مقطعة في عشرين سنة.
قال ابن عطية: ويؤيده عود الضمير في أنه إلى القرآن، فإنه لم يتقدم ذكره إلا على هذا التأويل، ومن قال بغيره، قال: الضمير عائد على القرآن، وإن لم يتقدم ذكره لشهرة الأمر ووضوح الحق، كقوله: حتى توارت وكل من عليها.
وقال جمهور المفسرين النجوم هنا الكواكب المعروفة واختلف في مواقعها، فقال مجاهد وأبو عبيدة: مواقعها عند غروبها وطلوعها.
وقال قتادة: مواضعها من السماء. وقيل: مواضعها عند الانقضاض أثر الجن.
وقال الحسن: مواقعها عند الانكدار يوم القيامة. انتهى، وهو ظاهر في أن للإضافة على بابها، وأن الأقسام، إنما هو بمواقعها لا بذواتها، وتجويز أنه من إضافة الصفة للموصوف، أي: بالنجوم حين سقوطها خلاف الأصل، وظاهر اللفظ، وكلام المفسرين: " {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} " تأكيد للأمر وتقييد من المقسم به لا اعتراض، بل معنى قصد التتميم به، وإنما الاعتراض " {لَوْ تَعْلَمُونَ} " وقيل: أنه اعتراض، وأن لو تعلمون اعتراض في اعتراض، والتحرير ما ذكرناه، قاله ابن عطية: " {عَظِيمٌ} " أي: من ذوي العلم لعلمتم عظم هذا القسم، " {إِنَّهُ} " أي: المتلو عليكم " {لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} "، هو الذي وقع القسم عليه، ووصفه بالكرم إثباتًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>