للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونشأته وما يشاهده من أحواله ظاهرًا وباطنًا، ففي ذلك أبين دلالة على وحدانية الرب وثبوت صفاته وصدق ما أخبر به رسوله الله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يباشر قلبه ذلك حقيقة لا تخالط بشاشة الإيمان قلبه.

ثم أقام سبحانه البرهان القاطع على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يتقول عليه فيما قاله، وأنه لو تقول عليه وافترى لما أقره ولعاجله بالإهلاك، فإن كمال علمه وقدرته وحكمته يأبى أن يقر من تقول عليه وافترى عليه، وأضل عباده واستباح دماء


الواقع في أصله ابن القيم، وفي غالب النسخ مع، ولا معنى لها، إذ المعنى بدل "جميع ما يبصره ولا يبصره نفسه" كما قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] ، أي: وفي أنفسكم أيضًا آيات من مبدأ خلقكم لي، منتهاه وما في تركيب خلقكم من العجائب، أفلا تبصرون ذلك فتستدلون به على صانعه وقدرته "ومبدأ خلقه ونشأته وما يشاهده من أحواله ظاهرًا وباطنًا"، إذ ما في العالم شيء إلا وفي الإنسان له نظير تدل ذاته على ما انفرد به من الهيئات النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة والتمكن من الأفعال الغريبة واستنباط الصنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوعة، كما في البيضاوي، "ففي ذلك أبين دلالة على وحدانية الرب".
كذا في نسخ صحيحة متعددة، وهو الذي في أصله ابن القيم خلاف ما في بعضها أبين دلالة الرب، فإنه خطأ نشأ عن سقط "وثبوت صفاته وصدق ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يباشر قلبه ذلك حقيقة لم تخالط بشاشة الإيمان"، أي: طلاقة الوجه والتلطف بالضعفاء وحسن السيرة مع المؤمنين "قلبه" من إضافة المسبب إلى السبب، أي: لم تخالط البشاشة الناشئة عن الإيمان قلبه أو شبه الإيمان بإنسان حسن الأخلاق، كامل التودد والصدقة لإخوانه، وأثبت له ما هو من خواصه، وهو البشاشة تخييلًا، "ثم" بعد أن أثبت بالقسم أنه قول رسول كريم، ونفى عنه أقوال الكفرة، بقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، "أقام سبحانه البرهان" الدليل "القاطع على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يتقول عليه فيما قاله"، بقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} ، قال الكشاف: سمي الإفتراء تقولًا؛ لأنه قول متكلف، والأقوال المفتراة أقاويل تحقيرًا لها، كأنها جمع أفعولة من القول، كالأضاحيك، "وأنه لو تقول عليه وافترى" عطف تفسير "لما أقره، ولعاجله بالإهلاك" أي: عجل إهلاكه، "فإن كمال علمه وقدرته وحكمته يأبى أن يقر من تقول عليه" ما لم يقل، "وافترى عليه وأضل عباده، واستباح دماء من كذبه، وحريمهم" نساءهم "وأموالهم، فكيف يليق بأحكم الحاكمين

<<  <  ج: ص:  >  >>