للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه خمس صفات تتضمن تزكية سند القرآن، وأنه سماع محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل، وسماع جبريل من رب العالمين، فناهيك بهذا السند علوًا وجلالة، فقد تولى الله تزكيته بنفسه، ثم نزه رسوله البشري وزكاه مما يقول فيه أعداؤه فقال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} وهذا أمر يعلمونه ولا يشكون فيه، وإن قالوا بألسنتهم خلافه فهم يعلمون أنهم كاذبون.

ثم أخبر عن رؤيته صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام، وهذا يتضمن أنه ملك موجود في الخارج يرى بالعيان ويدرك بالبصر، خلافًا لقوم؛ حقيقته عندهم أنه خيال موجود في الأذهان لا في العيان، وهذا مما خالفوا فيه جميع الرسل وأتباعهم، وخرجوا به عن جميع الملل، ولهذا كان تقرير رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل أهم من تقريره لرؤية ربه تبارك وتعالى، فإن رؤيته عليه الصلاة والسلام لجبريل هي


خمس صفات" بناء على أن العندية والمكان ليسا بصفتين حقيقتين، فلم يعدهما هنا، ولحظ الزمخشري أن كلا منهما دال على صفة كمال، فعدها سبعًا، وتبعه المصنف في موضعين تقدمًا، وعدها الرازي ستة، فجعل قوله: عند ذي العرش، متعلقًا بقوله: ذي قوة، "تتضمن تزكية سند القرآن، وأنه سماع محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل، وسماع جبريل من رب العالمين، فناهيك بهذا السند علوًا وجلالة، فقد تولى الله تزكيته بنفسه" أي: ذاته، وفي إطلاق النفس على الله تعالى مقال، "ثم نزه رسوله البشري وزكاه مما يقول فيه أعداؤه" الكفرة، "فقال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: ٢٢] ، "وهذا أمر يعلمونه ولا يشكون فيه، وإن قالوا بألسنتهم خلافه" استكبارًا وعنادًا، "فهم يعلمون" تحقيقًا "أنهم كاذبون" وإنما حملهم عليه البغي والعناد، "ثم أخبر عن رؤيته صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام"، بقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} ، قال ابن عطية: ضمير رآه لجبريل، وهذه الرؤية كانت بعد أمر غار حراء حين رآه على كرسي بين السماء والأرض، وقيل: هي رؤيته عند سدرة المنتهى في الإسراء، وسمي ذلك الموضع أفقًا تجوزًا وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية ثالثة بالميدنة، وليست هذه ووصفه بالمبين؛ لأنه روى أنه كان في المشرق من حيث تطلع الشمس، قاله قتادة، وأيضًا فكل أفق فهو في غاية البيان، "وهذا يتضمن أنه ملك موجود في الخارج، يرى بالعيان" بكسر العين "ويدرك بالبصر خلافًا لقوم حقيقته عندهم أنه خيال موجود في الأذهان لا في العيان وهذا مما خالفوا فيه جميع الرسل وإتباعهم، وخرجوا به عن جميع الملل، ولهذا كان تقرير" إثبات وبيان "رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل أهم من تقريره لرؤية ربه تبارك وتعالى، فإن رؤيته عليه الصلاة والسلام لجبريل هي أصل الإيمان،

<<  <  ج: ص:  >  >>