للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما "الرسول الكريم" في سورة "الحاقة" فهو محمد صلى الله عليه وسلم، فأضافه إلى الرسول الملكي تارة، وإلى البشري أخرى، وإضافته إليهما إضافة تبليغ، لا إضافة إنشاء من عندهما، ولفظ "الرسول" يدل على ذلك، فإن الرسول هو الذي يبلغ كلام من أرسله، فهذا صريح في أنه كلام من أرسل جبريل ومحمدًا صلى الله عليه وسلم، فجبريل تلقاه عن الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم تلقاه عن جبريل.

وقد وصف الله تعالى رسوله الملكي في هذه السورة بأنه كريم يعطي أفضل العطايا، وهي العلم والمعرفة والهدى والبر والإرشاد، وهذا غاية الكرم.

وذي قوة، كما قال في النجم: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} فيمتنع بقوته الشياطين أن يدنوا منه وأن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، وروي أنه رفع قريات قوم


وقال آخرون: هو محمد صلى الله عليه وسلم في الآية كلها، والأول أصح؛ "لأنه ذكر صفته قطعًا بعد ذلك بما يعنيه به" على وجه لا يحتمل المراد غيره، "وأما الرسول الكريم في سورة الحاقة فهو محمد صلى الله عليه وسلم" لا جبريل؛ لأنه قال: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} ، ولا بقول كاهن والمشركون ما كانوا يصفون جبريل بالشعر والكهانة على ما يأتي، "فأضافه" أي: القول "إلى الرسول الملكي تارة، وإلى البشري أخرى، وإضافته إليهما" غير حقيقية، بل "إضافة تبليغ، لا إضافة إنشاء من عندهما، ولفظ الرسول يدل على ذلك، فإن الرسول هو الي يبلغ كلام من أرسله".
"فهذا صريح في أنه كلام من أرسل جبيل ومحمدًا صلى الله عليه وسلم، فجبريل تلقاه عن الله" تلقيًا روحانيًا "بضم الراء" لا يكيف، "ومحمد صلى الله عليه وسلم تلقاه عن جبريل، وقد وصف الله تعالى رسوله الملكي في هذه السورة"، أي: التكوير؛ "بأنه كريم، يعطي أفضل العطايا، وهي العلم والمعرفة والهدى والبر والإرشاد، هذا غاية الكرم"، نهايته التي ما بعدها غاية، "وذي قوة، كما قال في النجم {عَلَّمَهُ} أي: صاحبكم {شَدِيدُ الْقُوَى} ن [النجم: ٥] الآية، العلمية والعملية، "فيمتنع بقوته الشياطين أن يدنوا منه" أي: من القول بأن يريدوا منع جبريل، من إيصاله إلى الرسول، أو منع الرسول من تبليغه للخلق، "وأن يزيدوا فيه، أو ينقصوا منه" شيئًا، ولو قل بل إذا رآه الشيطان هرب منه ولم يقربه.
"وروي" مما يدل على قوته "أنه رفع قريات" "بفتح الراء جمع تصحيح لقرية، بسكون الراء قياسًا"؛ لأن ما كان اسمًا يجمع على فعلات "بالفتح"، كجفنة وجفنات، وما كان صفة يجمع بالسكون، كصعبة وصعبات، والمتبادر من المصباح أنها اسم؛ لأنه قال: القرية كل مكان

<<  <  ج: ص:  >  >>