للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنِ الْهَوَى} ولم يقل: وما ينطق بالهوى؛ لأن نفي نطقه عن الهوى أبلغ، فإنه يتضمن أن نطقه لا يصدر عن هوى، وإذا لم يصدر عن هوى فكيف ينطق به، فيتضمن هو الأمرين: نفي الهوى عن مصدر النطق، ونفيه عن النطق نفسه، فنطقه بالحق ومصدره الهدى والرشاد، لا الغي والضلال.


الأصل، ثم أطلق على ميل النفس وانحرافها نحو الشيء، ثم استعمل في ميل مذموم، نحو: اتبع هواه.
قال الرازي: وأحسن ما يقال في تفسيره أنه المحبة، لكن من النفس الأمارة، وحروفه تدل على الدنو والنزول والسقوط، ومنه الهاوية، فالنفس كانت دنية، وتركت المعالي، وتعلقت بالسفاسف، فقد هوت، فاختص الهوى بالنفس الإشارة بالسوء.
قال الشعبي: إنما سمي هوى؛ لأنه يهوى بصاحبه، "فقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} وهذا ترتيب في غاية الحسن، عبر أولًا بالماضي، وهنا بالآتي، أي: ما ضل حين اعتزلكم وما تعبدون، وما غوى حين اختلى بنفسه، وما ينطق عن الهوى الآن حين أرسل إليكم وجعل شاهدًا عليكم، فلم يكن أولًا ضالًا غاويًا، وصار الآن منقذًا من الضلال ومرشدًا وهاديًا، "ولم يقل: وما ينطق بالهوى؛ لأن نفي نطقه عن الهوى أبلغ" من نقي نطقه به، "فإنه يتضمن أن نطقه لا يصدر عن هوى وإذا لم يصدر عن هوى، فكيف ينطق به، فيتضمن هو" أي: نفي صدوره عن الهوى "الأمرين" بالنصب مفعول "نفي الهوى" بالنصب أيضًا بدل مفصل من مجمل، أو الرفع بتقدير، وهما نفي، ولا يصح جره بدلًا من الأمرين؛ لأنهما منفيان لا نفيان "عن مصدر النطق، ونفيه عن النطق نفسه، فنطقه بالحق ومصدره"، أي: محله الذي يصدر عنه هو "الهدى والرشاد، لا الغي والضلال" فعن على بابها.
قال النحاس: وهو أولى، أي: ما يخج نطقه عن رأيه بدليل إن هو.. إلخ، وقيل: بمعنى الباء، أي: ما ينطق بالهوى، وما يتكلم بالباطل، وذلك أنهم قالوا: إنه تقول القرآن من تلقاء نفسه.
قال: ابن القيم نفي الله عن رسوله الضلال المنافي للهدى، والغي المنافي للرشاد، ففي ضمن هذا النفي الشهادة له صلى الله عليه سولم بأنه على الهدى والرشد، فالهدى في علمه، والرشد في عمله، وهذان الأصلان هما غاية كمال العبد، وبهما سعادته وصلاحه، إلى أن قال: فالناس أقسام، ضال في علمه، غاوٍ في قصده وعمله، وهو لا شرار الخلق، وهم مخالفو الرسل، ومهتدي في عمله، وهؤلاء هم الأمة العصبية، ومن تشبه بهم، وهو حال كل من عرف الحق ولم يعمل به، وضال في علمه، ولكن قصده الخير، وهو لا يشعر، ومهتد في علمه، راشد في قصده، وهم ورثة

<<  <  ج: ص:  >  >>