للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثالث: في قسمه تعالى على تصديقه عليه الصلاة والسلام

فيما أتى به من وحيه وكتابه وتنزيهه عن الهوى في خطابه:

قال الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ١-٣] .

أقسم تعالى بالنجم على تنزيه رسوله وبراءته مما نسبه إليه أعداؤه من الضلال والغي.


"الفصل الثالث":
في قسمه تعالى على تصديقه عليه الصلاة والسلام فيما أتى به من وحيه "مصدر بمعنى اسم المفعول"، فقوله: "وكتابه" خاص على عام، "وتنزيهه عن الهوى في خطابه"، أي: نطقه، "قال الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} أقسم الله تعالى بهذا المخلوق تشريفا له وتنبيها للاعتبار به، حتى تؤول العبرة إلى معرفة الله تعالى، وقيل: المعنى: ورب النجم، وفيه قلق مع لفظ الآية {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} والضلال يكون بلا قصد وألغي كأنه شيء يكتسبه ويريده {وَمَا يَنْطِقُ} صاحبكم {عَنْ الْهَوَى} [النجم: ١] ، أي: بهواه وشهوته، وقيل: ما ينطق القرآن المنزل عن هوى وشهوة، ونسب النطق إليه من حدث أنه يفهم منه الأمور، كما قال تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية: ٢٩] وأسند النطق إليه وإن لم يتقدم له ذكر لدلالة المعنى عليه.
ذكره ابن عطية: "أقسم تعالى بالنجم على تنزيه رسوله، وبراءته مما نسبه إليه أعداؤه" الكفار "من الضلال والغي"، فنفى عنه أن يكون ضل في هذا السبيل لتي أسلكه إياها.
قال الرازي والنسفي: أكثر المفسرين أن لا فرق بين الضلال والغي، وبعضهم قال: الضلال في مقابلة الهدى، والغي في مقابلة الرشد.
قال تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} وتحقيق الفرق؛ أن الضلال أعم استعمالا في الوضع، تقول: ضل بعيري ورحلي، ولا تقول: غوى، والمراد من الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقا مستقيما، والغواية أن لا يكون إلى المقصد طريق مستقيم، ويدل عليه؛ أنه يقال للمؤمن الذي ليس على طريق السداد سفيه غير رشيد، ولا يقال: ضال، فالضال كالكافر، والغاوي كالفاسق، وكأنه تعالى قال: "ما ضل"، أي: ما كفر، ولا أقل من ذلك فما فسقئ، ويؤيده {فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} إذ يقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>