للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدا في أرض قريش عديم النظير فآواك إليه وأغناك بعد الفقر.

ثم أمره سبحانه وتعالى أن يقابل هذه النعم الثلاثة بما يليق بها من الشكر فنهاه أن يقهر اليتيم، وأن ينهر السائل، وأن يكتم النعمة، بل يحدث بها، فإن من شكر النعمة التحدث بها. وقيل: المراد بالنعمة النبوة، والتحدث بها: تبليغها.


النظير "من قولهم: درة يتيمة" أي: لا نظير لها، وتسمى فريدة أيضا لانفرادها عن نظائرها، "أي: ألم يجدك واحدا في أرض قريش"، بل في جميع الخلق، "عديم النظير، فآواك إليه" لانتفاء من يكافئك أو يدانيك، بحيث تركن إليه.
قال التجاني: وهذا قول ضعيف، حكاه صاحب المشرع الروي، وجعله في الكشاف من بدع التفاسير، "وأغناك بعد الفقر".
قال ابن عطية: قال: مجاهد معناه بما أعطاك من الرزق، وقيل: فقير إليه، فأغناك به، والجمهور: على أنه فقر المال، لمعنى فيه صلى الله عليه وسل، أنه أغناه بالقناعة والصبر وحببا إليه، وقيل: بالكفاف لتصرفه في مال خديجة، ولم يكن كثير المال، ورفعه الله عن ذلك، وقال: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنه غنى النفس، "ثم أمره سبحانه وتعالى أن يقابل هذه النعم الثلاث" التي لم يشر المصنف إلى وسطاها؛ لأنه سيتكلم عليه في إزالة الشبهات "بما يليق بها من الشكر، فنهاه أن يقهر اليتيم" بقوله: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} ، في مقابلة {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى} ، "وأن ينهر السائل" بقوله {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} معناه أن يرده ردا جميلا أما بعطاء أو بقول حسن، "وأن يكتم النعمة، بل يحدث بها، فإن من شكر النعمة التحدث بها" وبإظهار الملابس والمطاعم والمراكب ونحوها، فلذا أتى بمن التبعيضية.
وفي ابن عطية قوله: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} بإزاء، أي: مقابل {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} ، على قول أبي الدرداء، والحسن وغيرهما.
إن السائل هنا السائل عن العلم والدين، بإزاء قوله: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} وقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ومن قال: السائل هو سائل المال، المحتاج، جعلها بإزاء {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} وجعل {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} بإزاء {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} "وقيل: المراد بالنعمة النبوة والتحدث" بالجر عطفا على النعمة، أي: والمراد بالتحدث "بها تبليغها" للناس وهذا قول مجاهد والكلبي.
وقال آخرون: بل هو عام في جميع النعم، وكان بعض الصالحين يقول: لقد أعطاني الله كذا، وصليت البارحة كذا، وذكرت الله كذا، فقيل له: مثلك لا يقول هذا، فقال: إن الله يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} وأنتم تقولون: لا تحدث وقال صلى الله عليه وسلم: "التحدث بالنعمة شكر"، وقال: "من أسديت إليه يدا فذكرها، فقد شكرها، ومن سترها فقد كفرها"، ذكره ابن عطية.

<<  <  ج: ص:  >  >>