للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكره سبحانه بنعمه عليه من إيوائه بعد يتمه، فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى} وذهب بعضهم إلى أن معنى اليتيم من قولهم: درة يتمية، أي: ألم يجدك


وقال بعض الشراح: يجوز أن المراد نفي الرضا بالدخول على وجه الخلود، وإنما قال: أن يدخل دون أن يخلد، قصد الإرادة نفي الرضا بالخلود على نهج المبالغة والاستدلال، أو أن المراد: ولا يرضى أن يعصي الله أحد من أمته، فعبر بالمسبب عن السبب إلا أن السياق يأباه انتهى.
أو لا يرضى دخولهم النار دخولا يشدد عليهم العذاب، بل يكون خفيفا، لا تسود وجوههم، ولا تزرق أعينهم، كما وردت به الأحاديث، فهو تعذيب كتأديب الحشمة، بل قال صلى الله عليه وسلم: "إنما حر جهنم على أمتي كحر الحمام".
أخرجه الطبراني، برجال ثقات عن الصديق، وللدارقطني في الأفراد عن ابن عباس، رفعه: "أن حظ أمتي من النار، طول بلائها تحت التراب".
وفي تفسير السبكي: أطلقت الأمة وجوب الرضا بالقضاء، وشاع على ألسنة العلماء والعوام، وورد مرفوعًا: يقول الله: من لميرض بقضائي، فليطلب ربا سواي، وفي شامل إمام الحرمين، لم يثبت عندنا وجوب الرضا بالقضاء، فإن الإنسان إذا اعترته الآلام، واكتنفته الأسقام، لا يجب عليه في الدين أن يطمئن إليها ويرضى بها، ولا عليه أن يكرهها ويبدي قلقا منها، يقول: لا ينطوي على اعتراض، قال: والخبر من الآحاد، لا تقوم به الحجة في القطعيات، ثم يعارضه استعادة النبي صلى الله عليه وسلم من قضاء السوء. انتهى.
"ثم ذكره" بشد الكاف، أي: جعله "سبحانه" متذكرا "بنعمه عليه"، أي: ذكره بتفصيلها أو تفضيلها بالضاد وإن كان ذاكرًا لها، وكيف ينسى مثله، وقد قام حتى تورمت قدماه، وقال: أفلا أكون عبدا شكورًا.
وقال بعض الشراح: المراد إعلامه بما أنعم به عليه، أو لاشتغاله بتذكير النعم العظيمة المتجددة، أو النعم كلها على الإجمال، قد يغفل عن تفصيلها، أو التذكير بمعنى الوعظ، لئلا يغفل، نحو: فذكر بالقرآن "من إيوائه" إلى عمه أبي طالب، حتى كان عنده أعز من بنيه "بعد يتمه" بموت أبيه وأمه حبلى به على الصحيح، وقيل: بعد أن ولد بقليل، "فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ} ، من الوجود بمعنى العلم {يَتِيمًا} مفعوله الثاني، أو المصادفة، ويتيما حال {فَآَوَى} بالمد وقرئ بالقصر بمعنى، رحم تقول أويت فلانا، أي: رحمته، قاله ابن عطية، وقيل: معنى الآية أواه الله إلى نفسه، ولم يحوجه لحمايةأحد وإيوائه، وهو بمعنى قول جعفر الصادق: يتم صلى الله عليه وسلم لئلا يكون عليه حق لمخلوق، "وذهب بعضهم إلى أن معنى اليتيم" عديم

<<  <  ج: ص:  >  >>