للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلوات الله عليه سرضي بما يرضى به ربه تبارك وتعالى، وهو سبحانه وتعالى يدخل النار من يستحقها من الكفار والعصاة، ثم يحد لرسوله صلى الله عليه وسلم حدًا يشفع فيهم -كما يأتي إن شاء الله تعالى في المقصد الأخير- ورسوله عليه السلام أعرف به وبحقه من أن يقول: لا أرضى أن تدخل أحدًا من أمتي النار او تدعه فيها، بل ربه تبارك وتعالى يأذن له فيشفع فيمن شاء الله أن يشفع فيه، ولا يشفع في غير من أذن له ورضيه.


يفهموا معناه، "فإنه صلوات الله عليه يرضى بما يرضى به ربه تبارك وتعالى"، إذ رضاه تابع لرضاه، "وهو سبحانه وتعالى يدخل النار من يستحقها من الكفار والعصاة" المسلمين، "ثم يحد" "بضم الحاء" "لرسوله صلى الله عليه وسلم حدًا" أي: يقدر له جماعة، ويميزهم عن غيرهم، "يشفع فيهم كما يأتي إن شاء الله تعالى في المقصد الأخير" فلا يدع أحدًا منهم، ولا يزيد على من أذن له في الشفاعة فيه، "ورسوله عليه السلام أعرف به وبحقه من أن يقول: ألا أرضى أن تدخل أحدًا من أمتي النار، أو تدعه فيها" هذا ظاهر جدًا في أنه أراد أنه من الافتراء الكذب لا الغرور، "بل ربه تبارك وتعالى يأذن له، فيشفع فيمن شاء الله أن يشفع فيه، ولا يشفع في غير من أذن له ورضيه" ومقام الرضا بما يريده الله، والتسليم مقام عظيم للسالكين، فكيف لا يكون لسيد المرسلين.
وقد رد العلامة الشريف الصفوي في شرح الشفاء وتبعه في النسيم على المصنف، التابع لابن القيم بأنه جراءة وسوء أدب، والوجه توجيه الحديث لوروده بطرق وإن ضعفت، ولا يبعد أن يكون عذاب العصاة غير مرضي لله تعالى، فلا يرضى له رسوله أيضً؛ لأن رضاه على وفق رضا ربه، والرضا بالمقضي قد يكون مذمومًا، فإذا لم يرض بعصيانهم ودخولهم النار، بعدهم رضا ربه به يدخلهم الله الجنة، ولو بالآخرة للوعد به، والرضا بفعل الله إنما يجب من حيث إنه فعل المولى الحكيم لا من حيث هو في ذاته، والمنفي في الحديث الثاني، فهو لا يرضى بدخول أحد من أمته النار من حيث هو في ذاته، لا من حيث أنه مراد الله، فلا إشكال أو الرضا مجاز عن ترك الطلب، أي: لا أترك طلب العفو وواحد من أمتي في النار، ولا يلزم منه عدم الرضا حقيقة، وكم طلب صلى الله عليه وسلم لأمته أمورًا، وهو في مقام الرضا دائمًا، وإذا وعد بالرضا فلا بد من إدخالهم الجنة لا ترك الطلب، فافهمه فإنه دقيق، فلا ينبغي أن يجترئ أحد على إبطال الروايات بأوهام الشبهات، وهذا محصل ما في شرح المواقف من أن للكفر نسبة إلى الله، باعتبار فاعليته له وإيجاده، ونسبة إلى العبد، باعتبار محليته واتصافه به، وإنكاره باعتبار النسبة الثانية، والرضا باعتبار النسبة الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>