"وأما عيسى، فإنما كان في السماء الثانية؛ لأنه أقرب الأنبياء" من حيث الزمن "إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- و"؛ لأنه "لا انمحت شريعة عيسى عليه السلام إلا بشريعة سيدنا محمد؛ ولأنه ينزل في آخر الزمان، لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على شريعته، ويحكم بها"، ووجه جعل هذا حكمة كونه في الثانية، أن عيسى لما شابه المصطفى في ثاني أحواله، وهي حكمه بشريعته، وكونه واحدًا من أمته، ناسب أن يكون في السماء الثانية، وأول أحوال عيسى كونه رسولًا إلى بني إسرائيل، "ولهذا" المذكور من الحكم الثلاث. "قال عليه السلام" في الصحيحين وغيرهما: "أنا أولى الناس"، أي: أخصهم "بعيسى" ابن مريم، وأقربهم إليه؛ لأنه بشر بأنه يأتي من بعده، فالأولوية هنا من جهة قرب العهد، كما أنه أولى الناس بإبراهيم؛ لأنه أبوه، ودعا به، وأشبه الناس به خلقًا وملة، وبين وجه الأولوية بقوله في بقية الحديث: ليس بيني وبينه نبي، كأنه قال: لأنه ليس ... إلخ، وضعف هذا الحديث ما ورد؛ أن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين بعد عيسى؛ لأن في إسنادهما مقالًا، وهذا صحيح بلا شك، إلا أن يجاب بأنها بعثا بتقرير شريعة عيسى لا شريعة مستقلة، ذكره الحافظ وغيره. "فكان في الثانية لأجل هذا المعنى"، وفي فتح الصفا؛ لأنه خلق ثان كخلق آدم، أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، "وإنما كان يحيى عليه السلام معه هناك؛ لأنه ابن خالته، وهما كالشيء الواحد، فلأجل التزام أحدهما بالآخر كانا هناك معًا"، أدق من هذا قول ابن المنير: السر في ذلك أن عيسى لم يلقه بعد موته لرفعه حيًا صيانة له، وذخيرة إلى وقت عوده إلى الأرض قائمًا بشرع المصطفى، غير مجدد شرعًا، فهو في حكم الأحياء، ومقامه في السماء ليس على معنى السكنى الدائمة، بخلاف غيره من الأنبياء، ويحيى هو المقيم في السماء أسوة غيره من الأنبياء، واختص مقامه عند عيسى؛ لأنهما ابنا الخالة، وكانا لدتين، وكانت أم يحيى تقول