للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجاب العارف ابن أبي جمرة عن وجه اختصاص كل واحد منهم بسماء:

بأن الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا؛ لأنه أول الأنبياء، وأول الآباء،


الذي بنى الكعبة، وأذن في الناس بالحج إليها، والثانية؛ أن آخر أحواله -صلى الله عليه وسلم- حجه إلى البيت الحرام، وحج معه ذلك العام نحو من تسعين ألفًا، ورؤية إبراهيم عند أهل التأويل تؤذن بالحج؛ لأنه الداعي إليه، والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة.
وقال ابن دحية: مناسبة لقيه لإبراهيم في السابعة: أنه -صلى الله عليه وسلم- اعتمر عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة، ودخل مكة وأصحابه، ملبين معتمرين محييًا لسنة إبراهيم، ومقيمًا لرسمه الذي كانت الجاهلية أماتت ذكره وبدلت أمره، ورؤيته لإبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، إشارة إلى أنه يطوف بالكعبة في السابعة، وهي أول دخلة دخل مكة بعد الهجرة، والكعبة في الأرض قبالة البيت المعمور.
قال: وفي قوله: فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفًا، لا يرجعون إليه، إلى آخر الدهر، إشارة إلى أنه إذا دخل البيت الحرام لا يرجع إليه؛ لأنه لم يدخله بعد الهجرة إلا عام الفتح، ثم لم يدخله في حجة الوداع، واعلم أن ما ذكره المصنف تبع فيه الحافظ، وقال في آخرها: هذه مناسبات لطيفة أبداها السهيلي، فأوردتها منقحة ملخصة.
وقد زاد ابن المنير في ذلك أشياء أضربت عنها، إذ أكثرها في المفاضلة بين الأنبياء، والإشارة في هذا المقام عندي أولى من تطويل العبارة. انتهى، وقال ابن دحية: لا بأس بما ذكه هذا الإمام، يعني شيخ السهيلي، لكن يحتاج إلى تنبيهات، منها إجراؤه لذلك، كالتعبير، فإنه يوهم أن الإسراء كان منامًا، والصحيح أنه يقظة، والذي يرفع الإشكال، أن الفأل في اليقظة: نظير الأحلام، فيكون تعبير الفألأ ببيان ما يدل عليه يقظة، كتعبير الأحلام بما تدل عليها منامًا، فعلى هذا يصح كلامه، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحب الفأل الحسن، ويستدل به على حسن العاقبة، وبالضد من ذلك.
ومنها أنه لم يذكر للمستوى ولا لما بعده نظيرًا، إما لتعذر استنباط المناسبة، أو لانقطاع الفكرة دون، ذلك انتهى، أو؛ لأن الأولى ترك ذلك، كما أفصح به السهيلي نفسه عقب ذكر المناسبات، إذ قال: وكان الحزم ترك التكلف لتأويل ما لم يرد فيه نص عن السف، ولكن عارض هذا ما يجب من التفكر في حكم الله وتدبر آياته، قال: ولولا مسارعة للناس إلى إنكار ما جهلوه، وغلظ الطباع عن فهم كثير من الحكمة، لأبدينا من سر هذا السؤال أكثر مما كشفنا.
"وأجاب العارف ابن أبي جمرة عن وجه اختصاص كل واحد منهم بسماء"، الذي هو ثاني أسئلة المصنف، وفيه جواب الثالث، وهو لم كان في الثانية بخصوصها اثنان: "بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>