للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبإدريس على رفيع منزلته عند الله تعالى.

وبهارون إذ رجع قومه إلى محبته بعد إن آذوه.


قال ابن إسحاق: وأكبت الحجارة على جبهته -صلى الله عليه وسلم- من قريش حتى سقط لجنبه في حفرة، كان أبو عامر الفاسق حفرها مكيدة للمسلمين، فأخذ علي بيده -صلى الله عليه وسلم-، واحتضنه طلحة حتى قام، "وبإدريس على رفيع منزلته عند الله تعالى"، لفظ الروض، ثم لقاؤه لإدريس في الرابعة، وهو المكان الذي سماه الله مكانًا عليًا، وهو أول من خط بالقلم، فكان ذلك مؤذنا بحالة رابعة، وهو علو شأنه -صلى الله عليه وسلم- حتى أخاف الملوك، وكتب إليهم يدعوهم إلى طاعته حتى قال أبو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاءه كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأى ما رأى من خوف هرقل، لقد أمر ابن أبي كبشة حتى أصبح يخافه ملك بني الأصفر، وكتب عنه بالقلم إلى جميع ملوك الأرض، فمنهم من أتبعه على دينه، كالنجاشي وملك عمان، ومنهم من هادنه، وأهدى إليه وأتحفه، ما أوتي إدريس. انتهى، ولا يفهم من قوله بحالة رابعة وقوع الكتابة إلى الملوك في رابعة الهجرة، كما ظن ابن المنير، فقال: فلعل ذلك صادف السنة الرابعة، مطابقًا للقاء إدريس في السماء الرابعة.
انتهى، فإنه سهو عجيب، فإن كتابته للملوك كانت أو السنة السابعة، كما تقدم في المكاتبات.
قال ابن المنير: واختلف هل رفع إدريس بعد الوفاة، أو رفع حيًا كعيسى، وفي المكان العلي هل هو السماء الرابعة، أو الجنة، فإن كان هو الجنة فقد شاركه المصطفى بلقائه فيها، وزاد عليه في الارتفاع إلى أعلى الجنان، وأرع الدرجات انتهى ملخصًا.
"وبهارون إذ رجع قومه إلى محبته بعد أن آذوه"، ولفظ الروض: ولقاؤه في الخامسة لهارون المحبب في قومه، يؤذون بحب قريش وجميع العرب له بعد بغضهم فيه.
وقال تلميذه ابن دحية: ما نال هارون من بني إسرائيل من الأذى، ثم الانتصار عليهم، والإيقاع بهم، وقصر التوبة فيهم على القتل دون غيره من العقوبات المنحطة عنه، وذلك أن هارون عندما تركه موسى في بني إسرائيل، وذهب للمناجاة، تفرقوا على هارون وتحزبوا عليه، وداروا حول قتله، ونقضوا العهد، وأخلفوا الموعد، واستصغروا جانبه، كما حكى الله تعالى ذلك عنهم، وكانت الجناية العظمى الصادرة منهم عبادة العجل، فلم يقبل الله منهم التوبة إلا بالقتل، فقتل في ساعة واحدة سبعون ألفًا، كان نظير ذلك في حقه -صلى الله عليه وسلم- ما لقيه في خامسة الهجرة من يهود قريظة، والنضير وقينقاع، فإنهم نقضوا العهد وخربوا الأحزاب، وجمعوها، وحشدوا، وحشروا، وأظهروا عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأرادوا قتله، وذهب إليهم قبل الوقعة بزمن يسير، يستعينهم

<<  <  ج: ص:  >  >>