وقال ابن أبي جمرة: العرب إنما يطلقون على المرء غلامًا إذا كان سيدًا فيهم، فلأجل ما في هذا اللفظ من الاختصاص على غيره من ألفاظ الأفضلية، ذكره موسى دون غيره تعظيمًا للنبي -صلى الله عليه وسلم. "قال في فتح الباري: ويظهر لي أن موسى عليه السلام، أشار إلى ما أنعم الله به على نبينا عليه السلام، من استمرار القوة في الكهولة، إلى أن دخل في سن الشيخوخة، ولم يدخل على بدنه هرم، ولا اعتراه في قوته نقص"، وهذا غير كلام الخطابي؛ لأنه قال بقية من القوة، وهذا صرح ببقاء قوته كلها، "حتى أن الناس في قدومه المدينة لما رآوه مردفًا أبا بكر" على راحلته، وإن كان له راحلة، إكرامًا له، أو على راحلة أخرى، قال تعالى: {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِين} [الأنفال: ٩] ، أي: يتلو بعضهم بعضًا، قاله الداودي. ورجح ابن التين الأول، وقال: لا يصح الثاني؛ لأنه يلزمه منه أن يمشي أبو بكر بين يديه -صلى الله عليه وسلم- ورده الحافظ؛ بأنه إنما يلزم ذلك لو جاء الخبر بالعكس، فأما، ولفظه وهو مردف أبا بكر فلا. وفي البخاري من وجه آخر، عن أنس، فكأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على راحلته، وأبو بكر ردفه، "أطلقوا عليه اسم الشاب، وعلى أبي بكر اسم الشيخ". قال أنس: أقبل -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، والنبي -صلى الله عليه وسل- شاب لا يعرف، الحديث في البخاري، "مع كونه عليه السلام في العمر أسن من أبي بكر"، بأزيد من عامين؛ لأنه استكمل بمدة خلافته عمر المصطفى، "والله أعلم انتهى. وقد ذكرت ذلك"، أي: حديث أنس المذكور "في الهجرة من المقصد الأول". قال الحافظ: وقد وقع من موسى في هذه القصة من مراعاة جانب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه أمسك