"وقد قال نبينا -صلى الله عليه وسلم: إن لله نفحات، فتعرضوا"، أي: تصدوا، أو من التعرض، وهو الميل إلى الشيء من أحد جوانبه، "لنفحات الله"، أي: اسلكوا طرقها حتى تصير عادة، وطبيعة وسجية، وتعاطوا أسبابها، وهو فعل الأوامر، وتجنب المناهي، رجاء أن تهب من رياح رحمته نفحة بسعدكم، أو المعنى تعرضوا لها بطلبكم منه. قال الصوفية: التعرض للنفحات: الترقب لورودها بدوام اليقظة والانتباه من سنة الغفلة، حتى إذا مرت، نزلت بفناء القلوب. قال بعضهم: ومقصود الحديث إن لله فيوضًا ومواهب، تبدو لموامعها من أبواب خزائن الكر والمنن في بعض الأوقات، فتهب فورتها ومقدماتها، كالأنموذج لما وراءها من مدد الرحمة، فمن تعرض لها مع الطهارة الظاهرة والباطنة، بجمع همة وحضور قلب، حصل له منها في دفعة واحدة، ما يزيد على النعم الدارة في الأزمنة الطويلة على طول الأعمال، فإن خزائن الثواب بمقدار على طريق الجزاء، وخزائن المنن، النفحة منها تفوق، فما يعطى على الجزاء له مقدار ووقت معلوم، ووقت النفحة مبهم في الأزمنة، والساعات ليداوم على الطلب بالسؤال، كما في ليلة القدر، وساعة الجمعة، فقصد أن يكونوا متعرضين له في كل الأوقات قيامًا، وقعودًا، وعلى جنوبهم، وفي وقت التصرف في أشغال الدنيا، فإنه إذا دام أوشك أن يوافق الوقت الذي ينفخ فيه فيسعد بسعادة الأبد، فقال -صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات، تصيب من يشاء من عباده"، الحديث، أخرجه البيهقي من حديث أنس وأبي هريرة. "وهذه نفحة من النفحات"، عطية من العطيات، قال المصباح: النفحة: العطية، وقيل: مبدأ شيء قليل من كثير، وفي المصباح: نفح الطيب: فاح، ونفحت الريح: هبت، "فتعرض لها