للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم الصلاة والسلام قد أخذوا من رحمة الله أوفر نصيب، فكانت الرحمة في قلوبهم لعباد الله أكثر من غيرهم، فلأجل ما كان بموسى عليه الصلاة والسلام من الرحمة واللطف بكى إذ ذاك رحمة منه لأمته؛ لأن هذا وقت إفضال وكرم وجود لعل أن يكون وقت القبول والإفضال فيرحم الله أمته ببركة هذه الساعة.

فإن قال قائل: كيف يكون هذا، وأمته لا تخلو من قسمين: قسم مات على الإيمان، وقسم مات على الكفر، فالذي مات على الإيمان لا بد له من دخول الجنة، والذي مات على الكفر لم يدخل الجنة أبدًا فبكاؤه لأجل ما ذكر لا يسوغ؛ لأن الحكم فيهم قد مر ونفذ.

قيل: إن الله تعالى قدر قدره على قسمين، فقدر قدرًا وقدر أن ينفذ على كل الأحوال، وقدر قدرًا وقدر أن لا ينفذ، ويكون رفعه بسبب دعاء أو صدقة أو غير ذلك، فلأجل ما ركب في موسى عليه الصلاة والسلام من اللطف ...


"والأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أخذوا من رحمة الله أوفر نصيب، فكانت الرحمة في قلوبهم لعباد الله أكثر من غيرهم فلأجل ما كان بموسى عليه الصلاة والسلام من الرحمة واللطف بكى إذ ذاك رحمة منه لأمته؛ لأن هذا وقت إفضال وكرم وجود، فرجًا" حصول ما يتمناه من الثواب لأمته، فقال: "لعل أن يكون"، والرجاء يستعمل بمعنى التمني والخوف؛ لأن الراجي يخاف أن لا يدرك ما يترجاه، "وقت القبول والإفضال"، أي: الزيادة من النعم والخير على العباد، فيرحم الله أمته ببركة هذه الساعة"؛ لأن لله أوقاتًا يتجلى فيها بالرحمة على العباد، فلا يرد فيها سائلًا ولا يمنع راجيًا "فإن قال قائل: كيف يكون هذا": الواقع من موسى "وأمته لا تخلو من قسمين" جملة حالية، مقررة للإشكال، "قسم مات على الإيمان، وقسم مات على الكفر، فالذي مت على الإيمان لا بد له من دخول الجنة"، وإن كثر عصيانه في الدنيا، "والذي مات على الكفر لا يدخل الجنة أبدًا" {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] ، "فبكاؤه لأجل ما ذكر لا يسوغ؛ لأن الحكم فيم قد مر ونفذ"، عطف تفسير، "قيل" في الجواب: "إن الله تعالى قدر قدره على قسمين، فقدر قدرًا، وقدر أن ينفذ على كل الأحوال"، فلا بد من وقوعه، "وقد قدرًا، وقدر أن لا ينفذ"، أي: أن لا يوجد خارجا، ولكن "يكون رفعه بسب دعاؤه أو صدقه، أو غير ذلك" مما علق عليه في الأول، وحصل ذلك المعلق عليه، "فلأجل ما ركب في موسى عليه الصلاة والسلام من اللطف والرحمة بالأمة، طمع" في ذلك، وقال: "لعل أن يكون ما اتفق لأمته من القدر الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>