روى الشيخان عن أسامة: أرسلت بنت النبي -صلى الله عليه وسلم؛ أن ابني قد احتضر، فأشهدنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول: "إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت ورجال: فدفع إليه الصبي، فأقعده في حجره، ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟، "قال: "هذا رحمة" جعلها الله في قلوب عباده، "وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"، روي بالنصب مفعول يرحم، على أن ما في إنما كافة، أو أداة حصر، وبالرفع خبر أن على أنها موصولة بمعنى الذين، والرحماء جمع رحيم من صيغ المبالغة، فمقتضاه أن رحمة الله تختص بالمتصف بالرحمة الكاملة، لخلاف من فيه رحمة ما. لكن قضية خبر أبي داود الراحمون يرحمهم الله، شموله له، ورجح، وإنما بولغ في الأول؛ لأن ذكر الجلالة دال على العظمة، فناسب فيه التعيظم والمبالغة. وقال شيخنا: لعل مراد الحديث أنه يرحم، كثير الرحمة رحمة تامة، بحيث تمنع من قامت به من العذاب، فلا يرد أن يرحم الكافر بتخفيف العذاب عنه، وبتأخيره في سعة عيش وصحة، وغيرهما إلى وقت قبض روحه، وقد يخفف عنه عذاب غير الكفر.