للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث أبي سعيد قال موسى: تزعم بنو إسرائيل أني أكرم الخلق على الله، وهذا أكرم على الله مني، زاد الأمور في روايته: ولو كان هذا وحده لهان علي، ولكن معه أمته، وهم أفضل الأمم عند الله.

وفي حديث مالك بن صعصعة: "ولما جاوزته -بقي موسى- يبكي، فنودي: ما يبكيك؟ قال: رب، هذا غلام بعثته من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي".

ولم يكن بكاء موسى حسدًا، معاذ الله، فإن الحسد في ذلك العالم منزوع من آحاد المؤمنين، فكيف بمن اصطفاه الله تعالى، بل كان اسفًا على ما فاته من


"وفي حديث أبي سعيد" عند البيهقي وغيره، "قال موسى: تزعم بنو إسرائيل إني أكرم الخلق على الله، وهذا أكرم على الله مني"، وأخرج البزار، والبيهقي وغيرهما من حديث أبي هريرة، قال موسى: تزعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله، وهذا رجل من بني آدم خلفني في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسه لم أبال، ولكن مع كل نبي أمته.
"زاد" سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي بن أمية، "الأموي" بفتح الهمزة، على غير قياس، وضمها على القياس وهو الأشهر عندهم، كما في المصباح نسبة لجده الأعلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وجزم الجوهري بالفتح، ثم قال: وربما ضموا "في روايته" لحديث المعراج في مغازيه، "ولو كان هذا وحده لهان علي، ولكن معه أمته، وهم أفضل الأمم عند الله"، ومعلوم أن هذا من الغبطة لا الحسد، معاذ الله.
"وفي حديث مالك بن صعصعة: "ولما جاوزته بقي موسى يبكي، فنودي" لفظ الحديث، كما مر: فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك"؟، وكذا هو لفظ البخاري في المعراج، وبدء الخلق وكذا لفظ مسلم وغيره، "ما يبكيك"؟، قال": قال ابن أبي جمرة: الظاهر أن قائل ذلك له الباري تبارك وتعالى، يدل على هذا قوله في الجواب، "رب هذا غلام بعثته من بعدي، يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي"، وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أنه مر بموسى عليه السلام يرفع صوته، فيقول: "أكرمته وفضلته، فقال جبريل: هذا موسى قلت: من يعاتب؟ قال: يعاتب ربه، قلت: ويرفع صوته على ربه؟، قال: إن الله قد عرف له حدته".
قال العلماء: "ولم يكن بكاء موسى حسدًا، معاذ الله"، مفعول مطلق حذف عامله، أي: أعوذ، أي: أعتصم بالله معاذا من توهم أن بكاءه حسدًا، "فإن الحسد في ذلك العالم منزوع من آحاد المؤمنين فكيف بمن اصطفاه الله تعالى، بل كان آسفًا على ما فاته من الأجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>