للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زيادة الزلفى والدرجات، فإنه لن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم. قال بعضهم: خص الله تعالى نبيه بواجبات عليه لعلمه بأنه أقوم بها منهم، وقيل ليجعل أجره بها أعظم.


الاختصاص بالوجوب "زيادة الزلفى" القرب المعنوي، "والدرجات" العلى، أي: الثمرات المترتبة، كالوسيلة، ثم لا ينافي ترتب ذلك على الواجبات؛ أنه أفرغ عليه جميع الكمالات من الأزل؛ لأنه لا يخالف توقفه على فعل واجب، علم الله أنه سيفعله، "فإنه لن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء" أي فعل "ما افترض" أي أوجب الله "عليهم" لعدم وجود مثل الفرض لا مع وجوده، كما يفهمه الكلام بحسب الظاهر، لكنه من إثبات الشيء بدليله على نحو: مثلك لا يبخل وليس كمثله شيء، وحاصل المعنى: أن أعظم شيء يتقرب به فعل الفرض، فالمراد بالأداء اللغوي، وهو فعل الشيء مطلقًا، فشمل الواجب الذي لا وقت له محدود، لا الاصطلاحي، وهو فعل العبادة قبل خروج وقتها، وهو الزمن المعين لها شرعًا، ثم هذا تلميح بخبر البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله تعالى قال: من عادى وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه". الحديث، قال إمام الحرمين في النهاية: قال بعض علمائنا: الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النفل، أي: المماثل لها بسبعين ضعفًا لحديث سلمان مرفوعًا: "في شهر رمضان من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان من أدى سبعين فريضة في غيره"، فقابل النفل فيه بالفرض في غيره، وقابل الفرض فيه بسبعين فرضًا في غيره، فأشعر بأن الفرض يزيد على النفل بسبعين درجة من طريق الفحوى، انتهى، وتعقب بأن الحديث ضعيف، أخرجه ابن خزيمة، وعلق القول به على صحته، والظاهر أن ذلك من خصائص رمضان، ولذا قال النووي: استأنسوا له بحديث في شهر رمضان.
"قال بعضهم: خص الله تعالى نبيه بواجبات عليه، لعلمه بأنه أقوم بها منهم" أي: أقدر على القيام بها من جميع الأمة.
قال ابن الجوزي: لما كانت الحمامة تزق فراخها لم تحضن غير بيضتين، لأنها لا تقوى على أكثر منها، ولما كانت الدجاجة لا تزق فراخها، كانت تحضن عشرين فأكثر، ولما كان صلى الله عليه وسلم أقوى الحاملين خص بواجبات لم تجب على غيره، انتهى.
"وقيل: ليجعل أجره بها" أي بفعلها "أعظم" ثوابًا من ثواب فعل نفسه، ولو كانت مندوبة له، فالمفضل عليه فعله لا بصفة الوجود، كما قرر شيخنا أو فعل أمته لا فعله لها بغير صفة الوجوب، كما جزم به في الشرح وفي الشامية، وقيل: ليجعل أجره بها أعظم من أجرهم، وقربه

<<  <  ج: ص:  >  >>