فأُولع بها، وشغلته عن مغازيه. ومرَّ به أبو بكر، وهو يسير لصلاة الجمعة فسمعه، وهو يناغيها ثم رجع من الصلاة، وهو معها، فأمر بطلاقها، وعزم عليه في ذلك حتى طلَّقها، ثم تبعتها نفسه، فهجم عليه أبو بكر، وهو يقول:
أعاتكَ لا أنساكِ مَا ذَرَّ شارقٌ ... وما ناح قُمْرِيُّ الحمام المطَوَّقُ
فلم أرَ مِثْلي طَلَّقَ اليومَ مِثْلَها ... ولا مِثلهَا في غيْرِ جُرمٍ تُطَلَّقُ
فأمره فأرجعها، وهي القائلة فيه، لمَّا مات عنها ترثيه:
رُزئتُ بخير الناسِ بَعْد نبيهمْ ... وبَعْدَ أَبي بَكْرٍ، وما كان قصَّرا
فآليت لا تَنفكُّ نفسي حزينةً ... عليْكَ لا تَنفكُّ جِلدي أغبْرَا
فللهِ عينا مَن رأى مثلَهُ فتىً ... أكرَّ وأحمى في الهياج وأصْبرا
إذا أُشرِعَتْ فيه الأسنةُ خاضَها ... إلى الموَتْ حتى يَتركَ الرمحَ أحْمَرا
ثم تزوجها عمر بن الخطاب، فأولم عليها، ودعا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيهم عليُّ بن أبي طالب. فقال له: يا أمير المؤمنين، دعني أُكلِّك عاتك، قال: نعم. فأخذ عليُّ بجانب الخدر، ثم قال: يا عُديَ نفسها ألست القائلة:
فآليتُ لا تنفكُّ نفسي حزينةً ... عليكَ ولا ينفكُّ جلْدِي أغْبَرا؟
فأجهشت بالبكاء، وعلا نحيبها. فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا حسن؟