للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّك مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْت فَإِنَّك مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ النَّاسِ» .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ» .

وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَاهُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا، وَقَنِعَ» .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفَافِ مَا كَفَّ عَنْ سُؤَالٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «الْقَنَاعَةُ كَنْزٌ لَا يَفْنَى» . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْهَا لَا يَنْقَطِعُ كُلَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا قَنِعَ بِمَا دُونَهُ وَرَضِيَ.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «عَزَّ مَنْ قَنِعَ وَذَلَّ مَنْ طَمِعَ» لِأَنَّ الْقَانِعَ لَا يُذِلُّهُ الطَّلَبُ فَلَا يَزَالُ عَزِيزًا.

قُلْت: ذَكَرَ فِي التَّمْيِيزِ حَدِيثَ «الْقَنَاعَةُ مُلْكٌ لَا يَنْفَدُ، وَكَنْزٌ لَا يَفْنَى» وَقَالَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ فِي الْقَنَاعَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، انْتَهَى. وَأَوْرَدَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِدُونِ " وَكَنْزٌ لَا يَفْنَى " وَعَزَاهُ لِلْقُضَاعِيِّ، زَادَ شَارِحُهُ الْمُنَاوِيَّ وَالدَّيْلَمِيَّ ثُمَّ قَالَ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ وَرَأَى ابْنُ السَّمَّاكِ رَجُلًا سَأَلَ آخَرَ حَاجَةً فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَالَ: ابْنُ السَّمَّاكِ أَيُّهَا الرَّجُلُ عَلَيْك بِالْقَنَاعَةِ فَإِنَّهَا الْعِزُّ، ثُمَّ أَنْشَدَ:

إنِّي أَرَى مَنْ لَهُ قَنُوعُ ... يَعْدِلُ مَنْ نَالَ مَا تَمَنَّى

وَالرِّزْقُ يَأْتِي بِلَا عَنَاءِ ... وَرُبَّمَا فَاتَ مَنْ تَعَنَّى

وَفَسَّرَ قَوْله تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: ٩٧] أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ الْقَنَاعَةُ.

وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا بُنَيَّ إذَا طَلَبْت الْغِنَى فَاطْلُبْهُ بِالْقَنَاعَةِ فَإِنَّهَا مَالٌ لَا يَنْفُذُ، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ فَإِنَّهُ فَقْرٌ حَاضِرٌ، وَعَلَيْك بِالْإِيَاسِ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَإِنَّك لَا تَيْأَسُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَغْنَاك اللَّهُ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>