الْمَوْجُودَاتِ مِنْ عَظِيمِ كَرَمِهِ. وَبَاهِي فَضْلِهِ وَنِعَمِهِ، مَا أَذْعَنَتْ الْأَلْبَابُ الْمُسْتَقِيمَةُ، وَالْقُلُوبُ السَّلِيمَةُ، وَالنُّفُوسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِالثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ اللَّائِقِ بِعَظِيمِ جَلَالِهِ وَجَمَالِهِ، أَطْلَقَ الْحَمْدَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصْطَفَى وَهُوَ خُلَاصَةُ الْعَالَمِ وَصَفْوَةُ بَنِي آدَمَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مُعْتَرِفًا وَمُذْعِنًا «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» فَالْعَبْدُ وَإِنْ أَنْفَقَ جَمِيعَ عُمْرِهِ، وَرُزِقَ أَعْمَارًا مُتَتَابِعَةً، فَصَرَفَهَا جَمِيعًا فِي الثَّنَاءِ عَلَى رَبِّهِ لَا يُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ هَذَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
(وَقَدْ آنَ) أَوَانُ قَطِّ عِنَانِ الْقَلَمِ عَنْ الِانْبِسَاطِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ الْبَدِيعَةِ، وَالْقَصِيدَةِ الرَّفِيعَةِ، وَلَقَدْ بَذَلْت جُهْدِي فِي تَنْقِيحِ مَسَائِلهَا، وَتَوْضِيحِ دَلَائِلهَا، وَاسْتِخْرَاجِ مَعَانِيهَا، وَاسْتِدْمَاجِ مَبَانِيهَا، وَحُسْنِ إدْرَاجِهَا، وَلُطْفِ إنْتَاجِهَا.
وَتَشْقِيقِ أَحْكَامِهَا، وَتَرْصِيفِ انْتِظَامِهَا، وَعَزْوِ أَخْبَارِهَا، وَكَشْفِ أَسْرَارِهَا، فَجَاءَ هَذَا الشَّرْحُ كَمَا أَمَّلْته. وَأَعْظَمَ مِمَّا تَخَيَّلْته، وَقَدْ سَهِرْت اللَّيَالِيَ فِي جَمْعِ مَسَائِلِهِ، وَبَذَلْت مَجْهُودِي فِي تَهْذِيبِ دَلَائِلِهِ، وَلَمْ آلُ جُهْدًا فِي زِيَادَةِ تَبْيِينِهِ، وَتَوْضِيحِهِ وَتَمْكِينِهِ، وَجَمْعِهِ وَتَأْلِيفِهِ، وَتَحْرِيرِهِ وَتَصْنِيفِهِ، وَعَزَوْت غَالِبًا كُلَّ قَوْلٍ لِقَائِلِهِ، لِأَخْرُجَ مِنْ مَعَرَّةِ تَبِعَةِ مَسَائِلِهِ.
وَإِذَا لَمْ يُسْتَغْرَبْ الْحُكْمُ لَمْ أَعْزُهُ اعْتِمَادًا عَلَى شُهْرَتِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَهُ بِالْإِنْصَافِ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ نَسِيجٌ وَحْدَهُ فِي مَعْنَاهُ. وَفَرِيدُ عِقْدِهِ فِي مَعْنَاهُ. فَهُنَاكَ كِتَابًا جَمَعَ فَأَوْعَى، وَسِفْرًا حَوَى مِنْ الْعُلُومِ فَصْلًا وَنَوْعًا. لَوْ سَافَرْت إلَى صَنْعَاءَ الْيَمَنِ فِي تَحْصِيلِهِ لَمَا خَابَتْ سَفْرَتُك، وَلَوْ تَاجَرْت فِيهِ بِأَعْلَى بِضَاعَتِك لَمَا خَسِرْت تِجَارَتُك.
وَقَدْ جَلَبْت إلَيْك فِيهِ نَفَائِسَ فِي مِثْلِهَا يَتَنَافَسُ الْمُتَنَافِسُونَ، وَجَلَيْت عَلَيْك فِيهِ عَرَائِسَ إلَى مِثْلِهَا يُبَادِرُ الْخَاطِبُونَ. فَإِنْ شِئْت اقْتَبَسْت مِنْهُ آدَابًا شَرْعِيَّةً، وَإِنْ أَحْبَبْت تَنَاوَلْت مِنْهُ آثَارًا نَبَوِيَّةً، وَإِنْ شِئْت وَجَدْت فِيهِ نِكَاتٍ أَدَبِيَّةً، وَإِنْ رُمْت مَعْرِفَةَ تَهْذِيبِ النَّفْسِ وَجَدْت أَدِلَّةَ ذَلِكَ فِيهِ وَفِيَّةً، أَوْ مَعْرِفَةَ أَخْبَارِ النَّاسِ ظَفِرْت فِيهِ بِشَذْرَةٍ عَلِيَّةٍ.
فَيَا أَيُّهَا النَّاظِرُ فِيهِ، وَالْمُقْتَبِسُ مِنْ مَعَانِيهِ، أَحْسِنْ بِجَامِعِهِ الظَّنَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ، فَإِنَّهُ قَدْ زَفَّ بَنَاتِ أَفْكَارِهِ إلَيْك، وَعَرَضَ بِضَاعَتَهُ عَلَيْك، فَلَكَ مِنْ تَأْلِيفِهِ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ وَلَك صَفْوُهُ، وَعَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute