للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخصَّ سبحانه هذين النوعين -وهما الخارج من الأرض، والحاصل بكسب التجارة، دون غيرهما من المواشي- إمَّا بحسب الواقع، فإنَّهما كانا أغلب أموال القوم إذ ذاك، فإنَّ المهاجرين كانوا أصحاب تجارة وكسب، والأنصار كانوا أصحاب حرث وزرع؛ فخصَّ هذين النوعين بالذكر لحاجتهم إلى بيان حكمهما وعموم وجودهما. وإمَّا لأنَّهما أصول الأموال، وما عداهما فعنهما يكون، ومنهما ينشأ؛ فإن الكسب تدخل فيه التجارات كلّها على اختلاف أصنافها وأنواعها من الملابس والمطاعم والرقيق والحيوانات والآلات والأمتعة وسائر ما تتعلَّق به التجارة، والخارج من الأرض يتناول حبَّها وثمارها وركازها ومعدنها. وهذان هما أصول الأموال وأغلبها على أهل الأرض، فكان ذكرهما أهمّ.

ثمَّ قاله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، فنهى سبحانه عن قصد إخراج الرديء، كما هو عادة أكثر النفوس: تمسك الجيّد لها، وتخرج الرديء للفقير. ونهيُه سبحانه عن قصد ذلك وتيمّمِه فيه ما يشبه العذر لمن فعل ذلك لا عن قصد وتيمّم بل إمَّا عن اتفاق، أو (١) كان هو الحاضر إذ ذاك، أو كان مالُه من جنسه، فإنَّ هذا لم يتيمَّم الخبيث، بل تيمَّم إخراج بعض ما منَّ اللَّه به (٢) عليه. وموقع قوله: {مِنْهُ تُنْفِقُونَ} موقع الحال، أي: لا تقصدوه منفقين منه.

ثمَّ قال تعالى: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي: لو كنتم أنتم المستحقّين له وبُذِلَ لكم لم تأخذوه في حقوقكم إلا بأن تتسامحوا في


(١) "ك، ط": "بل عن اتفاق إذا". سقط وتحريف.
(٢) "به" ساقط من "ك، ط".