للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أن تكون للعطف على المعنى، فإنَّ فعل التمني وهو قوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} لطلب الماضي كثيرًا، فكأنَّ المعنى: أيودّ لو كانت له جنَّة من نخيل وأعناب، وأصابه الكبر، فجرى عليها ما ذكر؟.

وتأمَّل كيف ضرب سبحانه المثل للمنفق المرائي -الذي لم يصدر إنفاقه عن الإيمان- بالصفوان الذي عليه التراب، فإنَّه لم يُنبت شيئًا أصلًا، بل ذهب بذره ضائعًا، لعدم إيمانه وإخلاصه. ثمَّ ضرب المثل لمن عمل بطاعة اللَّه مخلصًا نيَّتَه (١) للَّه، ثمَّ عرض له ما أبطل ثوابه، بالجنَّة التي هي من أحسن الجنان وأطيبها وأزهاها (٢)، ثمَّ سلّط عليها الإعصار النَّاريّ فأحرقها. فإنَّ هذا نبت له شيء وأثمر له عمله ثمَّ احترق، والأوَّل (٣) لم يحصل له شيء يدركه الحريق. فتبارك من جعل كلامه حياةً للقلوب وشفاءً للصدور وهدًى ورحمةً.

ثمَّ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة/ ٢٦٧].

أضاف سبحانه الكسب إليهم، وإن كان هو الخالق لأفعالهم، لأنَّه فعلهم القائم بهم. وأسند الإخراج إليه لأنَّه ليس فعلًا لهم، ولا هو مقدور (٤) لهم. فأضاف مقدورهم إليهم، وأضاف مفعوله الذي لا قدرة لهم عليه إليه، ففي ضمنه الردّ على من سوَّى بين النوعين، وسلب قدرَةَ العبد وفعلَه وتأثيرَه عنهما (٥) بالكلّية.


(١) "ك، ط": "بنيته".
(٢) "ك": "أزكاها". "ط": "أزهرها". تحريف.
(٣) "ف": "للأول"، خطأ.
(٤) "ب، ك": "مقدورًا".
(٥) "ط": "عنها"، خطأ.