ولو أنّي استطعت سكرت سكرا ... عليك فلم تكن يا ماء تجري
فقال الماء: ما هذا عجيب ... بم استوجبته يا ليت شعري «١»
فقلت له: لأنّك كلّ يوم ... تمرّ على أبي الفضل بن بشر
تراه ولا أراه، وذاك شيء ... يضيق عن احتمالك فيه صبري
وما علمت معنى في هذا المقصد ألطف ولا أرقّ ولا أعذب ولا أحلى من هذا اللفظ، ويكفي ابن الحجاج من الفضيلة أن يكون له مثل هذه الأبيات.
ولا تظن أن هذا شيء انفرد به المحدثون لما عندهم من الرقة واللطافة، وفات من تقدّمهم لما عندهم من قشف العيش وغلظ الطبع، بل قد تقدم أولئك إلى هذا الأسلوب، وإن أقلوا منه وأكثر منه المحدثون، وأي حسن من محاسن البلاغة والفصاحة لم يسبقوا إليه؟ وكيف لا وهم أهله، ومنهم علم، وعنهم أخذ؟
فمن ذلك ما جاء للفرزدق، وهو «٢» :
وركب كأنّ الرّيح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب «٣»
سروا يخبطون اللّيل وهي تلفّهم ... إلى شعب الأكوار من كلّ جانب «٤»