للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجرار والخزف، ولعمري إن الجاحظ عرف فوصف، وخبر فشكر، والذي ذكره هو الحق.

وعلى هذا الأسلوب جاء قول أبي تمام «١» :

إنّ القوافي والمساعي لم تزل ... مثل النّظام إذا أصاب فريدا «٢»

هي جوهر نثر فإن ألّفته ... بالشّعر صار قلائدا وعقودا

في كلّ معترك وكلّ مقامة ... يأخذن منه ذمّة وعهودا

فإذا القصائد لم تكن خفراءها ... لم ترض منها مشهدا مشهودا

من أجل ذلك كانت العرب الألى ... يدعون هذا سوددا محدودا

وتندّ عندهم العلا إلّا علا ... جعلت لها مرر القريض قيودا

وأما الضرب الثاني: وهو الإيجاز بالقصر؛ فإن القرآن الكريم ملآن منه، وقد تقدم القول أنه قسمان: أحدهما: ما يدلّ على محتملات متعددة.

فمن ذلك قوله تعالى: لقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى. فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى

فقوله: فغشيهم من اليم ما غشيهم

من جوامع الكلم التي يستدلّ على قلتها بالمعاني الكثيرة: أي غشيهم من الأمور الهائلة والخطوب الفادحة ما لا يعلم كنهه ألا الله، ولا يحيط به غيره.

ومن هذا الضرب قوله تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين

فجمع في الآية جميع مكارم الأخلاق؛ لأن في الأمر بالمعروف صلة الرحم، ومنع اللسان عن الغيبة وعن الكذب، وغضّ

<<  <  ج: ص:  >  >>