للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن باب الإيجاز الذي يسمى التقدير قول علي بن جبلة:

وما لامريء حاولته عنك مهرب ... ولو حملته في السّماء المطالع

بلى هارب ما يهتدي لمكانه ... ظلام ولا ضوء من الصّبح ساطع

فهذا هو الكلام الذي ألفاظه وفاق معانيه؛ فإنه قد اشتمل على مدح رجل بشمول ملكه وعموم سلطانه، وأنه لا مهرب عنه لمن يحاوله، وإن صعد السماء، ثم ذكر جميع المهارب في المشارق والمغارب، وأشار إلى أنه يبلغ الظلام والضياء، وذلك مما لم تزد عبارته على المعنى المندرج تحته، ولا قصرت عنه.

ومن هذا الضرب قول أبي نواس «١» ، وهو من نادر ما يأتي في هذا الموضع:

ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس

مساحب من جرّ الزّقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جنيّ ويابس

حبست بها صحبي فجدّدت عهدهم ... وإنّي على أمثال تلك لحابس

تدار علينا الرّاح في عسجديّة ... حبتها بأنواع التّصاوير فارس

قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدّريها بالقسيّ الفوارس «٢»

فللرّاح ما زرّت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس

ومما انتهى إليّ من أخبار ابن المزرع قال: سمعت الجاحظ يقول: لا أعرف شعرا يفضل هذه الأبيات التي لأبي نواس، ولقد أنشدتها أبا شعيب القلاق فقال: والله يا أبا عثمان إن هذا لهو الشعر، ولو نقر لطن، فقلت له: ويحك!! ما تفارق عمل

<<  <  ج: ص:  >  >>