صحبت أقواما كانت صحبتهم قرّة العين وجلاء الصدور، وكانوا من حسناتهم أن تردّ عليهم أشفق منكم من سيئاتكم أن تعذّبوا عليها، وكانوا فيما أحلّ الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرّم الله عليكم. إني أسمع حسيسا «١» ، ولا أرى أنيسا؛ ذهب الناس، وبقيت في النّسناس؛ لو تكاشفتم ما تدافنتم؛ تهاديتم الأطباق ولم تهادوا النصائح. يا بن آدم، إنّ دين الله ليس بالتحلّي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.
كلام لبعض الزّهّاد
لا تغترّنّ بطول السلامة مع تضييع الشكر، ولا تعملنّ نعمة الله في معصيته؛ فإنّ أقلّ ما يجب لمهديها ألا تجعلها ذريعة إلى مخالفته. واستدع شارد النّعم بالتوبة، واستدم الراهن منها بكرم الجوار، واستفتح باب المزيد بحسن التوكّل. أو ما علمت أنّ المستشعر لذلّ الخطيئة المخرج نفسه من كلف الطاعة نطف الثّناء، زمر «٢» المروءة، قصيّ المجلس، لا يشاور وهو ذو بزلاء «٣» ، ولا يصدّر وهو جميل الرّواء، غامض الشّخص ضئيل الصوت نزر الكلام يتوقّع الإسكات عند كلّ كلمة، وهو يرى فضل مزيّته وصريج لبّه وحسن تفضيله، ولكن قطعه سوء ما جنى على نفسه، ولو لم تطّلع عليه عيون الخليقة لهجست العقول بإدهانه «٤» . وكيف يمتنع من سقوط القدر وظنّ المتفرّس من عرّي من حلية التقوى وسلب طبائع الهدى؟ ولو لم يتفشّ ثوب سريرته وقبيح ما أجنّ من مخالفة ربه لقطعه العلم بقبيح ما قارف عن اقتدار