للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لا يعمل به مثل رجل سفيه أسّس بنيانه على الرمل، فمطرت السماء وسالت الأودية وهاجت الريح فضربته فسقط بنيانه. يا بني إسرائيل، ما يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها! وما يغني عن العالم كثرة العلم وهو لا يعمل به!. بحقّ أقول لكم: إنّ قائل الحكمة وسامعها شريكان، وأولاهما بها من حقّقها بعمله. بحقّ أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقّد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم بنوره ولم يمنعكم منه نتن قطرانه، فكذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها عنده.

بلغني عن محمد بن فضيل عن عمران بن سليم قال: بلغني أنّ عيسى ابن مريم قال لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطّنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس؛ إنكم لا تدركون ما تطلبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تحبّون إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنّظرة، فإنها تزرع في القلب الشهوة. طوبى لمن كان بصره في قلبه ولم يكن قلبه في بصره! قال: وبلغني أنّ عيسى خرج على أصحابه وعليه جبّة من صوف وكساء وتبّان «١» حافيا مجزوز الرأس والشاربين باكيا شعثا مصفرّ اللون من الجوع يابس الشّفتين من العطش، طويل شعر الصدر والذراعين والساقين؛ فقال: السلام عليكم يا بني إسرائيل، أنا الذي أنزلت الدنيا منزلها، ولا عجب ولا فخر، أتدرون أين بيتي؟ قالوا: أين بيتك يا روح الله؟ قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء، وإدامي الجوع، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمر، وصلائي «٢» في الشتاء مشارق الشمس، وطعامي ما تيسّر، وفاكهتي وريحاني بقول الأرض، ولباسي الصوف، وشعاري الخوف، وجلسائي الزّمني «٣» والمساكين، أصبح

<<  <  ج: ص:  >  >>