شهر، ثم قفل عائدا إلى مكة، وإذا المرض يلاحق أمّه ويلحّ عليها في أوائل الطريق، فماتت ب (الأبواء) ، وتركته وحيدا مع الخادم المشدوهة لحال طفل يفقد أباه وهو جنين، ويفقد أمه وهو ابن خمس سنين.
إنّ المصاب الجديد نكأ الجروح القديمة، مما جعل مشاعر الحنوّ في فؤاد (عبد المطلب) تربو نحو الصبي الناشئ، فكان لا يدعه لواحدته المفروضة، بل يؤثر أن يصحبه في مجالسه العامة؛ كان إذا جلس على فراشه بجوار الكعبة، أدناه منه، في حين يجلس الشيوخ حوله.
وقد تأخرت سن عبد المطلب حتى قيل: إنه توفي وله مئة وعشرون سنة، إلا أنه فارق الحياة وعمر (محمد) صلى الله عليه وسلم يناهز الثمانية؛ فرأى- قبل وفاته- أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمّه أبي طالب.
ونهض أبو طالب بحقّ ابن أخيه على أكمل وجه، ضمّه إلى ولده، وقدّمه عليهم، واختصّه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعزّ جانبه ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.
ودرج محمد عليه الصلاة والسلام في بيت أبي طالب والسن تمضي به قدما إلى الوعي العميق بما حوله؛ فأصر على أن يشارك عمه هموم العيش، إذ كان أبو طالب- على كثرة أولاده- قليل المال، فلما قرر أن يمضي على سنن ابائه في متابعة الرحيل إلى الشام ابتغاء الاتجار والربح، قرر أن يكون معه، وكان عمره نحو الثلاث عشرة سنة.