الجنيد، وجلس على فراشه وتحدَّث، فلمَّا قام النُّوري ليخرجَ، قام الجنيد يمشي معه مودِّعًا، فقال له النُّوري: يا أبا القاسم، إذا عُدتَ مريضًا فعُدْه كذا، وأصبح النُّوريُّ وأصحابُه مرضى.
[وحكى عنه ابن خَميس في "المناقب"] قال: اعتلَّ النُّوريُّ والجنيد، فكتم النُّوري علَّته وأظهرها الجنيد، فقيل للنُّوريّ: لِمَ لمْ تخبرْ كما أخبر صاحبك؟ فقال: ما كنَّا لنُبْتَلى ببلوى فنُوقع عليها اسمَ الشكوى، ثمَّ أنشد: [من المجتث]
إن كنتُ للسُّقم أهلًا … ما زلتَ للشُّكر أهلا
عذِّب فلم يَبْقَ عضو … يقول للسُّقم مهلا (١)
فبلغ الجنيد فقال: ما كنَّا شاكين، ولكن أردنا أن نكشفَ عينَ القُدرة فينا.
وبلغ الشِّبليَّ فقال: [من مجزوء الخفيف]
مِحْنَتي فيك أنَّني … لا أبالي بمِحنَتي
يا شِفائي من السِّـ … قام ويا بُدوَّ عِلَّتي (٢)
[وحكى في "المناقب" عن أبي العباس] بن عطاء قال: قال النُّوري: كان في نفسي من هذه الآيات شيء، فأخذتُ قصبةً ونزلت إلى الشَّطِّ، فوقفتُ بين زَوْرَقين وقلت: وعزَّتك لئن لم تُخْرج لي سمكةً ثلاثة أرطال لأُغْرقنَّ نفسي، فخرجت له سمكةٌ ثلاثة أرطال، وبلغ الجنيد فقال: كان من حُكمه أن تخرجَ له أفعى تلدغُه (٣).
قال المصنِّف ﵀: الجنيدُ أشار إلى أنه تحكم على القدرة، ولو ظن أنَّه في حالة البَسْط لما قال ذلك.
[وحكى أيضًا عن زيتونةَ خادمةِ النُّوري -وكانت تخدم الجنيدَ وأبا حمزة الصوفيَّ الخراسانيَّ وغيرَهم- جاءت يومًا إلى النُّوري ومعها خبزٌ ولَبن، وكان بين يديه كانون فيه فَحْم وهو يقلِّبه بيده، فجعل يأكل اللَّبن ويقلِّب الفحم، فسال سوادُ الفحم على يده
(١) طبقات الصوفية ص ١٦٨، وتاريخ بغداد ٦/ ٣٣٣، وحلية الأولياء ١٠/ ٢٥٢، وما سلف ويأتي بين معكوفين من (ف م ١).
(٢) مناقب الأبرار ١/ ٣٥١.
(٣) مناقب الأبرار ١/ ٣٥٣.