وروى المبرِّدُ عن دعبل قال: لما قلتُ:
مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ
نمتُ في بيتٍ، والباب يجافُ عليَّ، وإذا بقائلٍ يقول من زاوية البيت: السلام عليك أبا محمد وأبا الحسن (١) فرددتُ عليه. وقلتُ: من أنت؛ فقال: أخٌ من إخوانك من الجن ومعي أخداني، ونحن ممَّن يحبُّ أهل البيت، قلت: فمن أنت؟ قال: طيبار بن عامر (٢)، فأنشدتُ القصيدة فسمعت بكاءً عظيمًا من ناحية البيت.
وقال أبو العيناء: اجتاز دِعْبل بالرقَّة، فمدح أميرَها (٣) فمنعه العطاء فقال: [من الكامل]
إن قلتُ أعطاني كذبت وإن أقُل … ضَنَّ الجوادُ بمالِه لم يَجْمُلِ
ولأنتَ أعلمُ بالمكارم والعُلا … من أن أقولَ فعلتَ ما لم تَفعلِ
فاختر لنفسك ما أقولُ فإنَّني … لا بدَّ مخبرُهم وإنْ لم أُسألِ
فبعث إليه بألف دينار (٤).
وقال أبو الفرج (٥) الأصبهاني: إنّما كتبَ بها إلى عبدِ الله بن طاهر ومنها:
لما رأتْ شيبًا يلوحُ بمفرقي … صَدَّت صدودَ مفارقٍ مُتَجمِّلِ
فظللتُ أطلبُ وصلَها بتذلُّلٍ … والشيبُ يغمزُها بأن لا تفعلِ (٦)
وقال دعبل: كنتُ بالثغر فنودي بالنفير، فخرجتُ مع الناس، وإذا بفتى يجرُّ رمحَه، فنظر إليَّ وقال: اسمع: [من مجزوء الرمل]
أنا في أمرَي رشاد … بينَ غزوٍ وجهادِ
(١) كذا في (خ) و (ف).
(٢) في الأغاني ٢٠/ ١٤٢، ومعاهد التنصيص ٢/ ٢٠٠: ظبيان بن عامر.
(٣) في تاريخ دمشق ٦/ ٧٤ (مخطوط) أنه قالها لعبد الله بن طاهر.
(٤) العقد الفريد ١/ ٢٧٢. وفيه أنه أمر له بعشرة آلاف درهم. والأبيات في ديوان دعبل ص ٢٢٠ - ٢٢١.
(٥) في (خ) و (ف): وقال أبو الفرج بن طاهر الأصبهاني!؟ ولم أجده في الأغاني.
(٦) ديوان دعبل ص ٤٥٦ قسم الشعر الذي نسب إلى دعبل وليس له. وانظر تاريخ بغداد ٩/ ٣٦٢، وتاريخ دمشق ٦/ ٧٢.