للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن طلحة على شيءٍ من فارس، فنَفَسه الحجاج بن يوسف، فقال له: إنك تَمرُّ وشَبيب الخارجي قريبٌ منك، فلو عدلتَ فقاتلتَه، فعسى أن يكون الفتح لك، فُزتَ بذلك.

فلما سار إلى فارس عدل إلى شبيب، فدعاه إلى البِراز، فقال له شَبيب: قد كنتَ لي جارًا بالكوفة، وأنا أكره قتلَك، فلك نفسك، ولستُ في عملك، فقال: لا بدّ، فقال له شبيب: إن الحجَّاج حسدك، فخَدعك وأراد قتلَك، فامضِ إلى عَملك، فأبى ودعاه إلى المبارزة، فقال له شبيب: أما إذا أبيت، فإني سأَنظر لك، معك جمعٌ كثير، ومعي عددٌ يَسير، فألقى القليلَ بكثيرك، ولا تَلْقَ رجلًا واحدًا وحدك، فأنك لا تدري لمن الدّبَرة، فأبى إلا مُبارزةَ شَبيب، فبارزه فقتله شبيب، وغَنم عسكرَه، وهَزم جمعَه (١).

قلت: لله درُّ شَبيب، فما كان أحزمَه وأعقلَه، وأنصفَه وأشجعَه، وما كان أسفَه رأي محمد بن موسى، وأقلَّ نظرَه لنفسه، وصح فيه المثل: أتَتْك بحائِنٍ رِجْلاه (٢).

وقال ابن سعد: كان محمد بن موسى بن طلحة على [أهل] الكوفة أيام ساروا إلى قتال أبي فُديك الخارجي.

وقال ابن سعد: وأما عائشة بنت موسى بن طلحة فتزوّجها عبد الملك بن مروان، فوَلدت له بَكّارًا، ثم خلف عليها عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب (٣).

وأما عيسى بن طلحة بن عُبيد الله فكُنيتُه أبو محمد، وكان من حُلَماء قُريش، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين من أهل المدينة، قال: وأمُّه سُعْدى بنت عَوف بن خارجة بن سِنان بن أبي حارثة المرِّي، قال: وتُوفّي عيسى في خلافة عمر بن عبد العزيز، وكان ثقة كثيرَ الحديث (٤).

وقال هشام بن محمد: كان عيسى بن طلحة من ظُرَفاء قريش، سمع جاريةَ ابنِ حُمران بالمدينة تُغَنِّي لعبد الله بن مسلم: [من الطويل]

تَعالوا أعينوني على الليلِ إنه … على كلِّ عينٍ لا تنامُ طَويلُ

فطرق عيسى باب عبد الله بن مُسلم في الليل، فأشرف عليه عبد الله وقال: ما الذي


(١) التبيين ٣٢٨ - ٣٢٩.
(٢) أمثال أبي عبيد (١٠٨٢)، وجمهرة الأمثال ١/ ١١٩، ومجمع الأمثال ١/ ٢١.
(٣) طبقات ابن سعد ٧/ ١٦٠.
(٤) طبقات ابن سعد ٧/ ١٦٢.