للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال العماد: لما كان العزيز نازلًا على الفَوَّار رحل أبو الهيجاء والأسدية عشية الاثنين رابع شوَّال، وكانوا أكثر العسكر، وأُخبر العزيز بهم، فما بالى بانصرافهم، وقال: صفونا من أكدارهم. ولم يأمر أصحابه باتِّباعهم، وبقي في خواصِّه تلك الليلة، ورحل. واتَّفق العادلُ والأَفْضل على أن تكون ثلث البلاد للعادل، والثلثان للأفضل، وهو السُّلْطان، واستناب الأفضل بدمشق أخاه قُطْب الدِّين موسى، وخاف العزيز من الأسدية الذين في القاهرة أن يفعلوا كما فعل إخوانهم، ويمنعوه من دخولها، وكان قد استناب بها بهاء الدِّين قراقوش ثِقَةً بمودَّته، فلما وصل إلى القاهرة خَرَجَ قراقوش والأسدية إلى لقائه، فأكرمهم وأحسن إليهم، ولما وصل العسكر إلى بِلْبيس غلا السِّعْر، وظهرت ندامة الأسدية، فخاف العادل من ميلهم إلى العزيز وغَدْرهم، وأخبر الأفضل، وقال: المصلحة الصُّلْح. فاستزار الفاضل، ولقيه على فرسخ، وقرَّر الصُّلْح، واستبشر النَّاس بذلك، وعفا العزيز عن الأسدية وأحسن إليهم، واجتمع العزيز بالأفضل، وعاد الأفضل إلى دمشق، وأقام العادل عند العزيز.

وأما الأفضل فإنَّه لما عاد إلى دمشق ازداد وزيره الجَزَري من الأفعال القبيحة، وآذى الأكابر من الدَّولة، والأفضل يسمع منه ولا يخالفه، فكتب قيماز النجمي وأعيان الدولة إلى العادل يشكونه، فأرسل العادل إلى الأفضل يقول: ارفع يد هذا الأحمق السيئ التَّدْبير، القليل التوفيق. فلم يلتفت، فاتَّفق مع العزيز على النزول إلى الشَّام، فسار، فاستشار الأفضل أصحابه، فكلٌّ أشار عليه بأن يلتقي عمه وأخاه، ولا يخالفهما إلا الجزري، فإنَّه أشار عليه بالعصيان، فاستعدَّ للقتال والحصار، وحلَّف الأمراء والمقدَّمين، وفرَّقهم في الأبراج وعلى الأسوار، فراسلوا العزيز والعادل، وأصلحوا أمرهم في الباطن، واتَّفق العادل مع عز الدين ابن الحِمْصي على فَتْح الباب الشَّرقي، فكان مسلَّمًا إليه، فلما كان يوم الأربعاء سادس عشرين رجب ركب العادل والعزيز، وجاء إلى باب شرقي، ففتحه ابنُ الحمصي، فدخلا البلد من غير قتال، فنزل العزيز في دار عمَّته ستّ الشَّام، ونزل العادل دار العقيقي، ونَزَلَ الأفضل إليهما وهما بدار