للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً يَقُولُ: إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ، وَهُوَ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ بَاطِلٌ، وَإِنَّ قَوْلَ النَّاسِ يَخْتَلِفُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال:

لما اعتزل النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدْتُ النَّاسَ يَنْكُتُونَ بالحصى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ، قَالَ: هَذَا فِي الْإِخْبَارِ إِذَا غَزَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَخْبَرَ النَّاسُ عَنْهَا، فَقَالُوا: أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَدُوِّهِمْ كَذَا وَكَذَا، وَأَصَابَ الْعَدُوُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَذَا وَكَذَا. فَأَفْشَوْهُ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ هُوَ يُخْبِرُهُمْ بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: وَإِذا جاءَهُمْ قَالَ: هُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ قَالَ: فَانْقَطَعَ الْكَلَامُ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا قَلِيلًا فَهُوَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ يُخْبِرُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. قَالَ: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وإِلَّا قَلِيلًا يعني بالقليل المؤمنين.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٤ الى ٨٧]

فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧)

الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَقاتِلْ قِيلَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَخْ، أَيْ: مِنْ أَجْلِ هَذَا فَقَاتِلْ وَقِيلَ: مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَاتِلْ وَقِيلَ: هِيَ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، تَقْدِيرُهُ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ طَاعَةِ الْمُنَافِقِينَ فَقَاتِلْ، أَوْ إِذَا أَفْرَدُوكَ وَتَرَكُوكَ فَقَاتِلْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَادِ وَإِنْ قَاتَلَ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ النَّصْرَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

هَذَا ظاهر اللفظ، إلا أنه لم يجيء فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّ الْقِتَالَ فُرِضَ عَلَيْهِ دُونَ الْأُمَّةِ، فَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ خِطَابٌ لَهُ فِي اللَّفْظِ، وَفِي الْمَعْنَى لَهُ وَلِأُمَّتِهِ، أَيْ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِكَ يُقَالُ لَهُ: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أَيْ: لَا تُكَلَّفُ غَيْرَ نَفْسِكَ وَلَا تُلْزَمُ فِعْلَ غَيْرِكَ، وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ مُقَرِّرٌ لِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ اخْتِصَاصَ تَكْلِيفِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ مِنْ مُوجِبَاتِ مُبَاشَرَتِهِ لِلْقِتَالِ وَحْدَهُ، وَقُرِئَ: لَا تُكَلَّفُ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ، وَقُرِئَ: بِالنُّونِ. قَوْلُهُ: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: حُضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ، يُقَالُ: حَرَّضْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا: إِذَا أَمَرْتَهُ بِهِ، وَحَارَضَ فُلَانٌ عَلَى الْأَمْرِ، وَأَكَبَّ عَلَيْهِ، وَوَاظَبَ عَلَيْهِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>