للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ص «١» : والاسم: هو الدالّ بالوضع. على موجود في العيان إن كان محسوسا، وفي الأذهان إن كان معقولا من غير تعرّض ببنيته للزمان، ومدلوله هو المسمّى «٢» ، والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على المعنى، فهي أمور ثلاثة متباينة، فإذا أسندت حكما إلى لفظ اسم، فتارة يكون حقيقة نحو: زيد اسم ابنك، وتارة يكون مجازا وهو حيث يطلق الاسم، ويراد به المسمّى كقوله تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن: ٧٨] ، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الأعلى: ١] ، وتأول السّهيليّ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ على إقحام الاسم، أي: سبح ربك، وإنما ذكر الاسم حتى لا يخلو التسبيح من/ اللفظ باللسان لأن الذكر بالقلب متعلّقه المسمى، والذكر باللسان متعلقه اللفظ، وتأول قوله تعالى: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً [يوسف: ٤٠] بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على الحقيقة فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها. انتهى.

وقال الكوفيّون: أصل اسم وسم من السّمة، وهي العلامة لأن الاسم علامة لمن وضع له، والمكتوبة التي لفظها الله أبهر أسمائه تعالى وأكثرها استعمالا، وهو المتقدّم لسائرها في الأغلب، وإنما تجيء الأخر أوصافا، وحذفت الألف الأخيرة من الله لئلّا يشكل بخط «اللّات» ، وقيل: طرحت تخفيفا.


(١) ينظر: «المجيد في إعراب القرآن المجيد» لإبراهيم بن محمد الصفاقسيّ ص (٤١) .
(٢) في حقيقة الاسم عند المتكلمين خلاف مشهور، فذهب الأشعرية إلى أنه عين المسمى. وذهبت المعتزلة إلى أنه غير المسمى، وقالت الأشعرية وطائفة من المتكلمين: إن الكلام في الاسم والمسمى يعرفك حقيقة صفات معبودك، فتصل بذلك إلى تصحيح توحيدك، فإذا لم ينظر الإنسان ويستدل فكيف يصل إلى المعرفة التي كلفها؟! لكن منع الشافعي رضي الله عنه، وابن حبل، وأكثر الفقهاء، والمحدثين (رضي الله عنهم) طريق الكلام في الاسم والمسمى. حتى قال الشافعي: إذا سمعت الرجل يقول:
الاسم هو المسمى أو غير المسمى فاشهد بأنه من أهل الكلام ولا دين له.
وعلى كل، فطريق المتكلمين غير طريق الفقهاء والمحدثين فإن الفقهاء والمحدثين أخذوا الأمور بالتسليم والنقل، والمتكلمون ركبوا إلى النقل طريق النظر بالعقل، فأقاموا صناعة غير معهودة في السلف، وقالوا: نفتح بها طريق النظر إذ السلف كانوا لقرب عهدهم بالنبوة ولاشتغال أفكارهم بالنظر في ملكوت السماء والأرض مستغنين عن هذه الصناعة إذ كانت الأدلة راسخة في قلوبهم، وطرق الاستدلال نيرة في عقولهم، فلما ذهب ذلك الجيل الجليل وفترت الدواعي، وفشت البدع بسوء النظر، وجب أن يحرّ طريق النظر، وتنهج مسلك العبر، وتبين الأدلة الصحيحة من الفاسدة، وتصان عقائد الخلق عن تشويش المبتدعة والمارقة، فتكلموا بما لم يعهد من السلف الكلام فيه، فمن العلماء من يؤثره ويراه عين الصواب، ومنهم من يجتنبه ويجعله عين الضلال، ومنهم من يتوقف فيه، ومنهم من يرتضي منه أسلوبا دون غيره من الأساليب. انظر: «العلوم المستودعة في السبع المثاني» ١٩ خ.

<<  <  ج: ص:  >  >>