للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولِ الله عزَّ وجلَّ: {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: ١٠]. وقوله: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: ١٨]. فهذا معهودٌ من طباع الإنسان، وغيرُ معلوم من عادتِه أن يعدِلَ عن قاتلِه إلى غيرِه ويدَعَ قاتِلَه، وما خرَج عن هذا فنادرٌ في الناسِ لا حُكمَ له، فلهذا وشِبْهِه مما وصَفنا، ذهب مالكٌ إلى ما ذكَرنا، واللّهُ أعلم. وقد نزَع بعضُ أصحابنا في ذلك بقصةِ قتيلِ البقرة؛ لأنه قُبِل قولُه في قاتلِه. وفي هذا ضُروب من الاعتراضات، وفيما ذكَرنا كفايةٌ إن شاء الله.

وذكَر ابنُ القاسم (١) عن مالك، قال: إذا شهِد رجلٌ عدلٌ على القاتل، أقسَم رجلان فصاعدًا خمسين يمينًا.

وقال ابنُ القاسم (٢): والشاهدُ في القسامةِ إنما هو لَوْثٌ وليست شهادة، وعندَ مالكٍ أن وُلاةَ الدم إذا كانوا جماعةً لم يُقسِمْ منهم (٣) إلا اثنان فصاعدًا. واعتلّ بعضُ أصحابه لقوله هذا بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنما عرَضها على جماعة، والقسامةُ في قتل الخطأ كهي في العَمْد، لا تُستحَقُّ بأقلَّ من خمسين يمينًا، من أجل أنَّ الدِّيةَ إنما تجبُ عن دم، والدَّمُ لا يُستحَقّ بأقلَّ من خمسين يمينًا. فالقَسامةُ على الخطأ وإن لم يكنْ يجبُ بها قتلٌ ولا قوَدٌ، كالقَسامةِ في قتْلِ العَمْد، واليمينُ في القَسامة على مَن سمَّى أنه ضَرَبه، وأن مِن ضَرْبَته مات، فإن أقسَم وُلاةُ المقتولِ على واحد - لأنه لا يُقتلُ بالقَسامةِ أكثرُ من واحد - قُتِل المحلوفُ عليه، فإن كان معَه ممّن ادُّعي عليه الدَّمُ جماعةٌ غيرُه، ضُرِبوا مئةً مئةً، وسُجِنوا سنة، ثم خُلِّيَ عنهم.

والدِّيةُ في قتل الخطأ على عاقلةِ الذي يقسِمونَ عليه أنه مات من فِعْلِه به خطأ.


(١) المدونة ٤/ ٤.
(٢) المدونة ٤/ ٤.
(٣) "منهم" لم ترد في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>