للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بموعظةٍ بليغة، ذرَفت منها العيونُ، ووَجِلَت منها القلوب، فقال قائل: يا رسولَ اللَّه، إنَّ هذه لمَوعظةُ مودِّع، ففي تعهَدُ إلينا؟ قال: "أُوصِيكم بتقوى اللَّه، والسَّمْع والطاعةِ وإن كان عَبْدًا حَبَشيًّا، فإنه مَن يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدِين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمور، فإن كلَّ محدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ".

وروى الحارثُ الأشعريُّ، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "آمُرُكم بخمسٍ أمَرني اللَّهُ بهنَّ: الجماعةُ، والسمعُ، والطاعةُ، والهجرةُ، والجهاد"، حدَّثناه قاسمُ بنُ محمد، قال: حدَّثنا خالدُ بنُ سعد، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ عمرِو بنِ منصور، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ سَنْجَر، قال: حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، قال: حدَّثنا أبانٌ، قال: حدَّثنا يحيى -يعني: ابنَ أبي كثير- أنَّ زيدًا حدَّثه، أنَّ أبا سلّام حدَّثه، أنَّ الحارثَ الأشعريَّ حدَّثه، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ اللَّهَ أمَر يحيى بنَ زكريّا بخمسِ كلماتٍ يعمَلُ بهنَّ، ويأمُرُ بني إسرائيلَ أن يعمَلوا بهنَّ، وإنه كانَ يُبطئُ بها، وأنَّ عيسى ابنَ مريم قال له: إنَّ اللَّهَ أمَرك بخمسِ كلماتٍ تعمَلُ بهنَّ وتأمُرُ بني إسرائيلَ أن يعمَلوا بهنَّ، فإما أن تأمُرَهم، وإما أن نأمُرَهم. قال: يا أخي، إنك إن تسبِقْني بهنَّ خشِيتُ أن أُعذَّبَ أو يُخسَفَ بي. فجمَع الناسَ في بيتِ المقدس حتى امتلأ وقعَد الناسُ على الشُّرَف (١)، فقال: إنَّ اللَّهَ أمَرني بخمسِ كلماتٍ أن أعمَلَ بهنَّ وآمُرَكم أن تعمَلوا بهنَّ: أن تعبُدوا اللَّهَ ولا تُشرِكوا به شيئًا، وإنَّ مَثَلَ مَن أشرَك باللَّه كمثل رجلٍ اشترى عبدًا من خالصِ مالِه بذهَبٍ أو وَرِق، فقال: هذه داري، وهذا عملي، فاعمَلْ وأدِّ إليَّ. فجعَل العبدُ يعمَلُ ويؤدِّي إلى غيرِ سيدِه، فأيُّكم يسُرُّه أن يكونَ عبدُه كذلك؟ وإنَّ اللَّهَ خلَقكم ورزَقكم، فلا تُشرِكوا به شيئًا، وأمَرَكم بالصلاة، فإذا صلَّيتم فلا تَلتفِتوا، فإن اللَّهَ ينصِبُ وجهَه لعبدِه ما لم يلتفِتْ في صلاتِه، وإنَّ اللَّهَ


(١) أي: على الأماكن المرتفعة. اللسان (شرف).

<<  <  ج: ص:  >  >>